٨- هذا الحديث هو أحد أركان الإسلام، ودعائمه العظام، وجوامع الأحكام ، إذ هو أصل في معرفة الدين، ومجمع أركانه التي عليها بني، وبها يقوم، وعليها اعتماده، وهذه القواعد والأركان منصوص عليها في القرآن الكريم، وليست هي كل الإسلام، لأنَّ شعب الإيمان كثيرة كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة" الحديث [أخرجه مسلم: 2/3 وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، وإنما خصَّ هذه بالذكر لأهميتها، ولم يذكر معها الجهاد مع أنه يظهر الدين، ويقمع عناد الكافرين، لأنَّ الجهاد فرض على الكفاية ولا يتعين إلاَّ في بعض الأحوال بخلاف هذه الخمس فهي فرض دائم لا يسقط بحال.
والحديث يفيد أنَّ الإسلام عقيدة وعمل، وأنَّ هذه الأركان مرتبطة ومتماسكة، فمن حققها كاملة كان مسلما كامل الإيمان ومن لم يأت بالشهادتين، أو أنكر وجوب شيء من الأركان الأربعة، أو امتنع عن فعلها كبرًا وحسدًا أو بغضًا لله ورسوله أو بغضا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر بالإجماع. [انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 7/302، 609. 10/434. 20/97. 22/40. 35/105].
أما من أقر بوجوبها وأهمل شيئا من الأربعة غير الشهادتين كسلا وتهاونا، أو انشغالا عنها بأمور أخرى، فهذا موضع خلاف بين العلماء، بين مكفّر لتارك واحدة من الأربعة، وهو إحدى الروايات عن أحمد وهو مروي عن سعيد بن جبير، والحسن البصري، والسدي، وغيرهم [تفسير الطبري: 4/21، تفسير القرطبي: 4/153، كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم: 30].
وبين مكفر لتارك الصلاة والزكاة فقط وهو مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه وهي الرواية الثانية عن أحمد [انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 7/303، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: 246] وذهبت طائفة من أصحاب مالك والشافعي ومن أصحاب أحمد إلى القول أنه لا يكفر بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد، لكن المشهور عند جمهور أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد أنه لا يكفر بترك شيء من الأركان الأربعة وهي الرواية الرابعة عن الإمام أحمد [الأم للشافعي: 1/291، والبيان والتحصيل لابن رشد: 1/475-477، المغني لابن قدامة: 2/442، شرح مسلم للنووي: 2/70].
وأهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب وإنما أرادوا به المعاصي كالزنا والشرب، أما المباني المتقدمة ففي تكفير تاركها النزاع السابق.
٩- وتكملة للقاعدة الأولى أن يضاف إليها بعد قوله: "إلاّ بالدخول في الإسلام" عبارة: ولزومه له من غير مفارقة حتى الموت، ذلك لأن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، وهذه العبارة المضافة تدل عليها الآية الثانية التي استشهد بها المصنف رحمه الله.
١٠- آية 85 من سورة آل عمران، ومعنى الآية أن الإسلام هو المنهاج الذي أسلمنا الله تعالى بالإيمان به، والانقياد له، فهو دين الله تعالى وشريعته، فمن ابتغى غيره فعمله مردود عليه، وهو معدود من الخاسرين يوم القيامة.
١١- جزء من آية 132 من سورة البقرة، قوله: " فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" فيه إيجاز بليغ، والمراد الزموا الإسلام ولا تفارقوه حتى تموتوا، والمراد بالدين المصطفى في الآية الذي أوصى به يعقوب بنيه،كما أوصى إبراهيم بنيه، هو ملته التي لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه، وهي الملة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وسلم [فتح القدير للشوكاني: 1/145].
١٢- جزء من آية 19 من سورة آل عمران، قال ابن القيم رحمه الله تعالى فيما جمع له في "التفسير القيم": (201): [وقد دلّ قوله: "إن الدين عند الله الإسلام" على أنه دين أنبيائه ورسله وأتباعه من أولهم إلى آخرهم، وأنه لم يكن لله قط ولا يكون له دين سواه، قال أول الرسل نوح: ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 72]، وقال إبراهيم وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ [البقرة: 128]، ﴿َوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون َ﴾ [البقرة: 132]، وقال يعقوب لبنيه عند الموت: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 133]وقال موسى لقومه:﴿ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ [يونس: 84]، وقال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 52]، وقالت ملكة سبأ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: 44].
فالإسلام دين أهل السماوات ودين أهل التوحيد من أهل الأرض، لا يقبل الله من أحد دينا سواه].
١٣- آية 67 من سورة آل عمران.
١٤- جزء من آية 44 من سورة المائدة.
١٥- استدل بهذه الآية على لزوم النافي للحكم الدليل كما يلزم المثبت، وهو قول الأكثرين من الفقهاء والمتكلمين، والصواب أن الاستدلال بالآية على هذا الحكم لا يصح، لأن الله تعالى لم يطالبهم بدليل النفي المجرد، بل ادعوا دعوى مضمونها إثبات دخولهم الجنة، وأن غيرهم لن يدخلها، فطولبوا بالدليل الدال على هذه الدعوى المركبة من النفي والإثبات، وصاحب هذه الدعوى يلزمه الدليل باتفاق الناس، وإنما الخلاف في النفي المجرد، كما أفصح عن ذلك ابن القيم-رحمه الله- وحقق مسألة النافي هل عليه دليل؟ حيث يقول – رحمه الله – في[ بدائع الفوائد: 4/151-152]ما نصه: " إن النفي نوعان: -نوع مستلزم لإثبات ضد المنفي، فهذا يلزم النافي فيه الدليل، كمن نفى الإباحة فإنه يطالب بالدليل قطعا، لأن نفيها يستلزم ثبوت ضد من أضدادها، ولا بد من دليل، وكذلك نفي التعذيب بالنار بعد الأيام المعدودة يستلزم دخول الجنة والفوز بالنعيم ولابد من دليل.
النوع الثاني: نفي لا يستلزم ثبوتا كنفي صحة عقد من العقود، أو شرط، أو عبادة في الشرعيات، ونفي إمكان شيء ما من الأشياء في العقليات، فالنافي إن نفى العلم به، لم يلزمه الدليل، وإن نفى المعلوم نفسه، وادّعى أنه منتف في نفس الأمر فلا بد له من دليل".
١٦- آية 111-112 من سورة البقرة.
الجزائر في: 01 جمادى الأولى 1427ﻫ
المــــوافق ﻟ: 28 مايو 2006م
... يتبع ...