أئمة الجرح والتعديل هم حماة الدين من كيد الملحدين وضلال المبتدعين وإفك الكذابين
ردعلىبعضالمتعالمين
الحلقةالثانية
--------------------------------------------------------------------------------
7- قال : " الفرق الرابع : إن العلماء إذا بدعوا شخصاً فإنهم يحذرون من
الأخذ منه وذكر سالماً الأفطس المرجيء وأن أهل السنة تركوا مجالسته .
وذكر تحذير أبي زرعة من حارث المحاسبي وذكر رأي مالك وأنه لا يؤخذ العلم عن أربعة وذكر منهم صاحب الهوى .
وذكر قول ابن مسعود " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا" .
ثم قال : "وجاء في فتاوى أئمة المسلمين بقطع لسان المبتدعين جمع محمود
خطاب السبكي ما نصه :" وأجمع الأئمة المجتهدون أنه لا يجوز أخذ العلم عن
مبتدع وقالوا: الزنا من أكبر الكبائر أخف من أن يسأل الشخص عن دينه
مبتدع"(1) .
وروى عن ابن سيرين ( أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا(2) دينكم )شرح علل الترمذي ( 1/252) وغيرها من الأدلة .
أما علماء الجرح والتعديل فإنهم يأخذون الرواية من المبتدع مع أن الرواية
من أنواع تلقي العلم لكن بشروطها والعلة في ذلك هو الخوف من ذهاب أحاديث
النبي ".
وعليه في هذا الكلام مآخذ منها :
قوله : العلماء إذا بدعوا شخصاً حذروا من أخذ العلم عنه ويقصد بأهل العلم
غير أهل الحديث وأئمة الجرح والتعديل ولكنه لجهله وغبائه يتكرر منه الوقوع
في الحفر .
أ- فهنا ما وجد علماء يمثل بهم إلا علماء الجرح والتعديل أبو زرعة ومالك وقبلهم ابن مسعود الذي حذر من أخذ العلم عن الأصاغر.
وقد اختلف في تفسير الأصاغر فمنهم من فسرهم بأهل البدع ومنهم من فسرهم
بصغار السن(3) ومن صغارهم صاحب الوريقات وإني لأخاف عليه أن يدخل في أهل
البدع لأنه يتعصب للأشخاص ويطعن في أهل السنة ويمدح أهل البدع على مختلف
أنواعهم ويدافع عنهم ويوالي ويعادي على الأخطاء وبحثه هذا من أكبـر
الشواهد عليه .
ب- لم يعمل بما يقول فذهب ينقل عن محمود محمد خطاب السبكي وهو أشعري وقد نقل عنه هذا الإجماع المدعى .
وهذا الإجماع منقوض بمذاهب الأئمة المجتهدين ومنهم الشافعي وأحمد وأبو
حنيفة وأصحابهم وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري ومسلم وغيرهم
رووا عن أهل البدع وأجازوا الرواية عنهم بشروط منها الصدق والضبط وأن لا
يكون هذا المبتدع داعية إلى بدعته ، ثم تراه يخبط خبط عشواء فينقل عن علي
بن المديني وهو إمام مجتهد قال فيه البخاري : "ما استصغرت نفسي عند أحد
إلا على بن المديني" .
نقل عنه أنه قال : "لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي –يعني التشيع – خربت الكتب يعني لذهب الحديث ".
ونقول له: أليس ابن المديني من أقران الإمام أحمد في العلم والاجتهاد وكلاهما يجيز الرواية عن أهل البدع بشروطها .
وينقل عن ابن سيرين قوله:" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
أليس ابن سيرين من أهل الحديث المجتهدين ويقصد بهذا العلم علم الحديث
بالذات ؟ وأنت توهم الناس أن المراد بالعلم في الدرجة الأولى غير الحديث
وهو أشرف العلوم بعد القرآن ولا دين للأمة إلا به عقيدة وشريعة .
ثم تخفف وطأة قولك فتقول : " مع أن علم الرواية من أنواع تلقي العلم لكن بشروطها".
ما هذا التهوين من الحديث وأهله وعلومه أيها المتعالم ؟ وما هو الداء الذي دهاك وأخشى أن يصيب عصابتك؟.
وينقل عن الألباني قوله : "العبرة في الراوي إنما هو كونه مسلماً عدلاً
ضابطاً أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنة فلا يعد عندهم جارحاً ".
أقول : يريد الألباني بقوله : "جارحاً " الجرح المسقط للرواية ولو كان الراوي مجروحاً بالبدعة.
ويقصد "بأهل السنة الذين يقبلون رواية المبتدع" أئمة الحديث وعلى رأسهم
الشافعي وأحمد وسفيان والبخاري ومسلم وأمثاله من أئمة الحديث المجتهدين .
فماذا استفدت من نقل كلام هو عليك لا لك ؟
ولا أريد أن أناقشه في كلامه كله فإن المجال لا يتسع لمناقشته في كل شيء .
لكن الشاهد من كلامه في الجملة أنه يهون من أهل الحديث وأئمة الجرح
والتعديل وأقوال ومواقف أئمة الجرح والتعديل وهم سادة العلماء والفقهاء
وبهم حفظ الله دينه .
8- قال : " الفرق الخامس : ينبني على الحكم على الشخص ببدعة أحكام ومعاملات ومنها لو كانت البدعة مكفرة تنـزل عليه أحكام الكفار .
أما الحكم على الراوي بالجرح قد لا ينزل عليه أحكام ومعاملات مثل ما ينزل على المبتدعة " .
أقول :
أ- إنه يريد أن علماء الجرح أقل وأجهل من أن يحكموا بالبدعة لأنهم لا
يعرفون الأصول ولا يحيطون بالشريعة وليسوا بأهل لاستقراء أدلة الشريعة
واستخراج الأحكام منها .
أما العلماء الذين يتخيلهم ولا وجود لهم فهم المؤهلون للحكم على أهل البدع لأنهم يحيطون بالشريعة .
وما علم المسكين أن الذين لا يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ليسوا بعلماء
كما يقول الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه : " إن العالم إذا لم يعرف الصحيح
والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً " ، معرفة علوم الحديث
للحاكم ( ص 60 ) .
ونسي أن الإمام الشافعي مع جلالته وسعة أفقه واهتمامه بالحديث وعلومه يقول
للإمام أحمد وإخوانه :" أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فأيما حديث صح
عندكم فأخبروني به شامياً كان أو مصرياً أو كوفياً" .
ويقول : في كثير من الأحوال "هذا إسناد لا يثبته أهل الحديث ".
وأهل الحديث هم الطائفة المنصورة التي وصفها رسول الله بأنهم على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله .
ب- حديثه عن البدعة المكفرة يدل على جهله بأصول أهل الحديث والفقهاء وغيرهم من أهل السنة .
ومنها حكم البدعة المكفرة وأنه لا يلزم من كونها مكفرة كفر صاحبها حتى
تقوم عليه الحجة، فقد كفر السلف بتعطيل صفات الله وإنكار رؤية الله في
الدار الآخرة وبالقول بخلق القرآن ومع ذلك فالقول الراجح عندهم أن من وقع
في شيء من هذه الضلالات لا يكفَّر حتى تقوم عليه الحجة .
جـ- إن علماء الحديث وأئمة الجرح والتعديل هم عمدة علماء الأمة في مختلف
الأجيال في الغالب في الحكم على الأشخاص مبتدعة كانوا أو غيرهم سواءً كانت
البدعة مكفرة أو غير مكفرة وبحوثهم في أهل البدع وغيرهم مشهورة مستفيضة .
وقد خصصوا أبواباً للبحث في أهل البدع في الكتب الواسعة أو المختصرة ومنها
من بدعته مكفرة ، انظر الكفاية للخطيب (ص120-132) ط دائرة المعارف
العثمانية ، واختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث ( 1/299-304) وشرح
العلل لابن رجب (1/53-56) ومقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح للعراقي
(ص126-127) وتدريب الراوي للسيوطي (ص216-218) وانظر نزهة النظر (ص50-51)
نشر مكتبة طيبة.
قال الحاكم في مقدمة كتابه "معرفة علوم الحديث"(ص1-2):" أما بعد:
فإني لما رأيت البدع في زماننا كثرت ومعرفة الناس بأصول السنن قلَّت، مع
إمعانهم في كتابة الأخبار وكثرة طلبها على الإهمال والإغفال دعاني ذلك إلى
تصنيف كتاب خفيف يشتمل على ذكر أنواع علم الحديث مما يحتاج إليه طلبة
الأخبار المواظبون على كتابة الآثار".
فالواقف على هذا الكلام يرى أنه ما دفع الحاكم إلى تأليف هذا الكتاب في علوم الحديث (المصطلح) إلا كثرة البدع وغربة السنة.
ولما وصف الإمام أحمد أهل الحديث بأنهم الطائفة المنصورة أثنى عليه الحاكم
ثم قال:" فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة
التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا
التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين،
ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله
أجمعين".
وهذه شهادة من الحاكم لهم باتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يدمغون
أهل البدع بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا لها من حجج دامغة ولم
ينسب هذه المزية لغيرهم.
وقال الحاكم في وصف أهل الحديث(ص3):" فعقولهم بلذاذة السنة عامرة، وقلوبهم
بالرضاء في الأحوال عامرة، تعلم السنن سرورهم ومجالس العلم حبورهم، وأهل
السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم".
وقال أيضاً رحمه الله بعد ذكره أناساً يطعنون في أهل الحديث(ص4):" ومثل
هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا
ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية".
فهذا الذي نناقشه قد حقر أئمة الجرح والتعديل وكاد أن يرميهم بالحشوية،
فما وصفه لهم بالأوصاف التي وصفهم بها ببعيدة عن وصفهم بالحشوية.
وقال رحمه الله أيضاً(ص6):" فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة
مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع
الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت
بُتراً".
فاهتمامهم بالأسانيد ومواظبتهم عليها فيه حفظ لمنار الإسلام ووضع سد منيع
في وجه أهل الإلحاد و البدع حتى لا يتمكنوا من الكذب على رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
وقد عقد الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث":" النوع الثاني والثلاثون في معرفة مذهب المحدثين
1- ذكر فيه قول مالك بن أنس :" لا يؤخذ العلم عن صاحب هوى".
2- وذكر رمي ابن معين لمحمد بن مناذر بالزندقة، ووصف إبراهيم بن أبي يحيى بأنه جهمي قدري.
3- وذكر عن سفيان الثوري أنه يسمع الحديث من الرجل فيتخذه دينا ويسمع
الحديث من الرجل فيتوقف فيه ويسمع من الرجل فلا يعتد به ويحب معرفة مذهبه.
4- ولما حدث أبان بن تغلب بحديث فيه قرص لعثمان قال له المعتمر كذبت وصاح به.
5- وذكر أن الإمام أحمد رمى إبراهيم بن طهمان بالإرجاء.
6- وذكر عن ابن عيينة أنه قال :" ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى القدري.
7- وسئل علي ببن المديني عن أبي إسرائيل الملائي فقال: لم يكن في حديثه بذاك وكان يذكر عثمان يعني بالسوء.
8- ونقل عن الحسن بن واقد أن السدي كان يسب أبا بكر وعمر فلم يعد إليه.
9- ونقل عن ابن المبارك أنه قال في الحسين بن دينار أنه كان يرى رأي القدر.
10- وذكر أن يزيد بن هارون طعن في الحسين بن زياد اللؤلؤي طعناً شديداً،
وذكر طعن يزيد بن هارون في حريز بن عثمان بسبب مذهبه أي بغضه لعلي رضي
الله عنه.
11- وذكر طعن الثوري في الحسن بن صالح لأنه كان يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
12- وذكر عبد الواحد بن زياد أنه طعن في زفر بن الهديل من أجل أنه من أهل الرأي.
13- وأن سوار بن عبد الله يدعه من أجل الرأي.
14- وأن ابن إدريس طعن في سالم بن أبي حفصة لطعنه في عثمان وبني أمية.
15- وأن البخاري قال في عبد العزيز بن أبي رواد أنه كان يرى الإرجاء .
فهؤلاء أربعة عشر إماماً كلهم من أهل الحديث يجرحون أهل البدع ببدعهم، فهل تستطيع أن تخرج واحداً منهم عن دائرة أهل الحديث.
فما رأي العقلاء في قول هذا المسكين الذي جلب بخيله ورجله ليبين للناس أن
قواعد علوم الحديث (المصطلح) لا تنطبق على أهل البدع، وأن العلماء الذين
يحق لهم الكلام في أهل البدع هم غير أئمة الجرح والتعديل.
وقال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي (1/5356):"
مسألة في رواية المبتدع
وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، وهي الرواية عن أهل
الأهواء والبدع فمنعت طائفة من الرواية عنهم كما ذكره ابن يسرين، وحكي
نحوه عن مالك وابن عيينة والحميدي ويونس بن أبي إسحاق وعلي بن حرب وغيرهم،
وروى أبو إسحاق الفزاري عن زائدة عن هشام عن الحسن قال:" لا تسمعوا من أهل
الأهواء" خرجه ابن أبي حاتم.
ورخصت طائفة في الرواية عنهم إذا لم يتهموا بالكذب منهم أبو حنيفة
والشافعي ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني، وقال علي بن المديني:" لو تركت
أهل البصرة للقدر وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب".
وفرقت طائفة أخرى بين الداعية وغيره، فمنعوا الرواية عن الداعية إلى
البدعة دون غيره، منهم ابن المبارك وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وروي أيضاً عن مالك.
والمانعون من الرواية لهم مأخذان:
أحدهما: تكفير أهل الأهواء أو تفسيقهم وفيه خلاف مشهور.
والثاني: الإهانة لهم والهجران، والعقوبة بترك الرواية عنهم وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم.
ولهم مأخد ثالث: وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب ولا سيما إذا كانت الرواية بما يعضد هوى الراوي.....
وعلى هذا المأخذ فقد يستثنى من اشتهر بالصدق والعلم، كما قال أبو داود:"
ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا
الحسن الأعرج.
وأما الرافضة فبالعكس، قال يزيد بن هارون:" لا يكتب عن الرافضة فإنهم يكذبون" أخرجه ابن أبي حاتم.
ومنهم من فرق بين من يغلو في هواه ومن لا يغلو، كما ترك ابن خزيمة حديث عباد بن يعقوب لغلوه....
وقريب من هذا قول من فرق بين البدع المغلظة التهجم والرفض والخارجية والقدر، والبدع المخففة ذات الشبه كالإرجاء.
قال أحمد في رواية أبي داود:" احتملوا من المرجئة الحديث ويكتب عن القدري
إذا لم يكن داعية". وقال المروزي :" كان أبو عبد الله يحدث عن المرجئ إذا
لم يكن داعية".
ولم نقف له على نص في الجهمي أنه يروي عنه إذا لم يكن داعية، بل كلامه فيه عام أنه لا يروي عنه.
فيخرج من هذا أن البدع الغليظة كالتجهم يرد بها الرواية مطلقا، والمتوسطة
كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها، والخفيفة كالإرجاء هل يقبل معها
الرواية مطلقاً، أو يرد عن الداعية على روايتين".