[b]القاعدة السابعة عشرة: المندوب.
إذا رتب الفضل على عمل قولي أو فعلي فإنه يكون مندوبا،ً إذا لم يُقرن بأمر. فإن قرن بأمر، فعلى الأصل أن الأمر للوجوب.
والمندوب هو: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
القاعدة الثامنة عشرة: فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعل بدون أمر فهو للندب إذا ظهر منه قصد التعبد به، إلا إذا كان فعله صلى الله عليه وسلم وقع بياناً لأمر أمر الله به فحكم ذلك الفعل حكم ذلك الأمر.
فإن كان الأمر المبين للوجوب كان ذلك الفعل واجباً، وإن كان ذلك الأمر للندب كان ذلك الفعل للندب.
القاعدة التاسعة عشرة: إذا تعارضت المصالح قدم الأعلى.
إذا تزاحمت المصالح يُقدم الأعلى، والعكس في المظالم، حيث إذا تزاحمت المفاسد فيقدم الأدنى.
القاعدة العشرون: إذا تعارض ضرران دفع أخفهما.
إذا وجد شيء فيه ضرر وأضر منه، فإننا ندفع ما ضرره أخف إذا كان لابد منه، وكذلك نأخذ بعالي الفاضلين ولا نخاف.
القاعدة الحادية والعشرون: إذا اجتمع مباح ومحظور، غلب المحظور.
إذا اجتمع مباح ومحظور، غلب جانب المحظور احتياطاً وذلك لأنه لا يمكن تجنب الحرام إلا باجتناب الكامل للحلال والحرام، ويدل على ذلك قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [المائدة:90] فحرم الله الخمر والميسر مع أن فيهما منافع للناس، لكن لما غلب جانب الشر منع.
القاعدة الثانية والعشرون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
الخمر محرم لأنه مسكر، فإذا وجد الإسكار وجد التحريم من أي نوع كانت مادته. وإذا عدم الإسكار عدم التحريم، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
القاعدة الثالثة والعشرون: الشيء إذا قدم على سببه أو على شرطه.
الشيء إذا قدم على سببه فإنه لاغٍ لأنه لم يثبت حتى يقدم، أما إذا قدم على شرطه فإنه معتبر.
والسبب: هو الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم.
والشرط: هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزمه من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
القاعدة الرابعة والعشرون: الشيء لا يتم إلا أن تتم شروطه وتنتفي موانعه.
وهي من القواعد المعلومة بالتتبع، فإذا صلى الإنسان هو محدث فإن صلاته لا تصح لعدم وجود الشرط وهو الطهارة، وكذلك النفل المطلق إذا صلى في وقت النهي فإن صلاته لا تصح لوجود المانع.
القاعدة الخامسة والعشرون: الظن معتبر في العبادات.
الغالب أن المعتبر في العبادات الظن، وفي المعاملات ما في نفس الأمر.
في العبادات: لو أن رجلاً غلب على ظنه أنه طاف سبعة أشواط. يبني على هذا الظن وإذا قدر أنه لم يطف إلا ستة أشواط فإنه لا يلزمه شيء لأن هذه المعاملة بينه وبين ربه لأن الله تعالى محل العفو والسماح، وأما العبادات فيما يمكن تلافيه وتداركه، فإن عليه التصحيح، فلو أنه صلى وظن أنه على وضوء ثم تبين أنه لم يتوضأ فعليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة.
في المعاملات: لو أن رجلاً باع شيئاً يظنه لغيره ثم تبين أنه له. قالوا: فالبيع صحيح لأن العبرة بما في نفس الأمر.
القاعدة السادسة والعشرون: الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر.
وإن شك شكاً مرجوحاً فهذا وهم لا يلتفت إليه لأنه لا أثر له، مثل الوسواس، والوسواس مرفوعا شرعاً لا أثر له.
القاعدة السابعة والعشرون: حديث النفس معفو عنه إلا إذا حصل عمل أو قول.
حديث النفس: هو ما حديث الإنسان به نفسه، فهو معفو عنه إلا إذا حصل عمل أو قوله، فإنه يعمل بمقتضى ذلك القول والعمل، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ".
القاعدة الثامنة والعشرون: الأمر للفور.
إذا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بشيء فإنه للفور، يعني يجب على الإنسان أن يفعله فوراً من حيث أن يوجد سبب الوجوب ويكون قادراً على ذلك.
القاعدة التاسعة والعشرون: فرض العين وفرض الكفاية.
فرض العين: هو ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكان يقصد منه أن يفعله كل واحد.
فرض كفاية: هو ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكان يقصد به الفعل دون الفاعل.
القاعدة الثلاثون: إذا ورد أمر بعد نهي فإنه للإباحة.
إذا جاء الأمر بعد النهي فأكثر الأصوليين يقولون إنه للإباحة ولا يعود إلى حكمه الأول الذي قبل النهي، لأن النهي ورد على الحكم الأول فنسخه ثم ورد الأمر به بعد النهي فصار للإباحة.
مثال ذلك قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [الجمعة: 9-10].
القاعدة الحادية والثلاثون: ورود العبادة على وجوه متنوعة.
إذا وردت العبادة على وجوه متنوعة، فالراجح أن نعمل بهذا تارة وبهذا تارة، لأن فيه فائدتين اثنتين:
1- الإتيان بالسنة بوجهيها.
2- حفظ الشرع بالعمل بالنوعين لأننا إذا نعمل بأحدهما نُسي وضاع الآخر.
القاعدة الثانية والثلاثون: لزوم السنة.
يجب على الإنسان أن يتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لقول الله تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)) [الحشر:7]، ولقوله تعالى أيضاً: ((فَلْيَحْذَر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور:63]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ما نهيتكم فاجتنبوه وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم "، والأخذ بقول وفعل الخلفاء الراشدين؛ لأن الراجح أن قولهم وفعلهم حجة.
القاعدة الثالثة والثلاثون: قول الصحابي.
الأقرب إلى الصواب أن الصحابة الفقهاء والمعروفين بالفقه والفتيا فهؤلاء قولهم حجة لأنه لاشك أن علمهم أغرز وأوسع، وأما من كان مجرد صحبة ولم يعرف بفقه ولا علم فإن قوله ليس بحجة.
ويشترط ليكون قول الصحابة حجة أن لا يخالف قول صحابي آخر مثله في الفقه والعلم، وأن لا يخالف نص من كتاب أو سنة.
القاعدة الرابعة والثلاثون: أدلة الأحكام الأربعة.
وهي أن حجة التكاليف التي تكون بها التكليف للعباد أربعة: وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس الصحيح. وهذه هي أدلة التكليف التي يكلف بها العبد فما ثبت بهذه الأدلة فإنه يعمل به.
القاعدة الخامسة والثلاثون: لكل عامل ما نوى.
العمل يشمل القول والفعل، بل ويشمل عمل القلوب وهو إرادته، وهذه القاعدة هي الحكم على الإنسان بنيته مستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "، ولهذا يقرن العلماء كثيراً من الأشياء بالنية حتى في باب المعاملات.
ومن أراد التحايل على محارم الله بما فعل فباب الحية مسدود عليه.
القاعدة السادسة والثلاثون: يحرم المضي فيما فسد.
العبادة إذا فسدت فإنه يحرم المضي فيها، بل يجب قطعها والتخلي عنها؛ لأن المضي فيها مع فسادها محادة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
القاعدة السابعة والثلاثون: جواز قطع النفل بعد الشروع فيه.
يجوز للإنسان أن يقطع النفل بعد الشروع فيه؛ لأن النفل لا يجب بالشروع فيه، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوماً على أهله فقال: " هل عندكم شيء؟ " فقالوا: نعم –حَيسٌ. قال: " أرينيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل "، ولكن مع القول بجواز قطع النفل، يكره أن يقطعه إلا لغرض صحيح.
القاعدة الثامنة والثلاثون: الإثم والضمان يسقطان بالجهل.
أن إثم المعصية وضمان المتلفِ يسقطان بالجهل والإكراه والنسيان، والدليل على ذلك قوله تعالى: ((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) [البقرة:286]، وقوله: ((وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)) [الأحزاب:5].
وفي الحديث: " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
هذا إذا كان الإثم والضمان في حق الله فإنه يسقط، وأما إذا كان من حقوق الخلق فإنه لا يسقط ضمانها بالجهل والنسيان والإكراه.
القاعدة التاسعة والثلاثون: كل متلف فإنه مضمون على متلفه.
أن كل متلف فإنه مضمون على متلفه سواء كان ذلك يتعلق بحق الله عز وجل أو يتعلق بحق الآدميين ما لم يكن ذلك لدفع أذاه فإنه ليس بمضمون.[/b]