منابـــر أهل الحديث والأثــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اتباع أهل الحديث والأثر في فهم النصوص
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:33 pm

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هذا الجزء الثاني من فتح القوي المتين في شر الأربعين و تتمة الخمسين للنووي و ابن رجب
ص -56-
الحديث الحادي عشر
عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله
عليه وسلم وريحانته رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"دَع ما يريبُك إلى ما لا يريبك" رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: "حديث حسن
صحيح".
1 هذا الحديث فيه الأمرُ بترك ما يرتاب المرءُ فيه ولا تطمئنّ إليه نفسه،
ويحدث قلقاً واضطراباً في النفس، وأن يصير إلى ما يرتاح إليه قلبُه وتطمئنّ إليه
نفسه.
وهذا الحديث شبيه بما تقدَّم في حديث النعمان بن بشير: "فمن اتَّقى
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام"، وهما
يدلاَّن على أنَّ المتَّقي ينبغي له ألاَّ يأكل المال الذي فيه شبهة، كما يحرم عليه
أكل الحرام.
2 قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/280): "ومعنى هذا الحديث
يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتِّقائها؛ فإنَّ الحلالَ المحضَ لا يحصلُ للمؤمن في
قلبه منه ريب، والريب بمعنى القلق والاضطراب، بل تسكن إليه النفس، ويطمئنّ به
القلب، وأمَّا المشتبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشكِّ".
وقال
أيضاً (1/283): "وها هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له، وهو أنَّ التدقيق في التوقف عن
الشبهات إنَّما يصلح لِمَن استقامت أحواله كلُّها، وتشابهت أعماله في التقوى
والورع، فأمَّا مَن يقع في انتهاك المحرَّمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورَّع عن شيء
من دقائق الشُّبَه، فإنَّه لا

ص -57- يحتمل له ذلك، بل يُنكر عليه، كما قال
ابن عمر لِمَن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: "يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا
الحسين، وسمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (هما ريحانتاي من الدنيا)".
3
مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 ترك ما يكون فيه ريبة، والأخذ بما لا ريبة
فيه.
2 أنَّ تركَ ما يُرتاب فيه فيه راحة للنفس وسلامتها من القلق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:34 pm

الحديث الثاني عشر
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" حديث حسن، رواه
الترمذي وغيره هكذا.
1 معنى هذا الحديث أنَّ المسلمَ يترك ما لا يهمُّه من أمر
الدِّين والدنيا في الأقوال والأفعال، ومفهومه أنَّه يجتهد فيما يعنيه في ذلك.
2
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/288 289): "ومعنى هذا الحديث أنَّ مَن حَسُنَ
إسلامُه ترك ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال،
ومعنى (يعنيه) أنَّه تتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدَّة
الاهتمام بالشيء، يُقال عناه يعنيه إذا اهتمَّ به وطلبه، وليس المراد أنَّه يترك ما
لا عناية له ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس، بل بحكم الشرع والإسلام، ولهذا جعله
مِن حسن الإسلام، فإذا حَسُن إسلامُ المرء ترك

ص -58- ما لا يعنيه في
الإسلام من الأقوال والأفعال، فإنَّ الإسلامَ يقتضي فعلَ الواجبات كما سبق ذكره في
شرح حديث جبريل عليه السلام، وإنَّ الإسلامَ الكامل الممدوح يدخل فيه ترك
المحرَّمات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده)،
وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كلَّه من المحرمات والمشتبهات والمكروهات
وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإنَّ هذا كلَّه لا يعني المسلم إذا كمُل
إسلامُه وبلغ إلى درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله تعالى كأنَّه يراه، فإن لم يكن
يراه فإن الله يراه، فمَن عبَدَ الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على
استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه، فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كلَّ ما
لا يعنيه في الإسلام، ويشتغل بما يعنيه فيه، فإنَّه يتولَّد من هذين المقامين
الاستحياء من الله، وترك كلِّ ما يُستحيى منه".
3 مِمَّا يُستفاد من
الحديث:
1 ترك الإنسان ما لا يعنيه في أمور الدِّين والدنيا.
2 اشتغال
الإنسان بما يعنيه من أمور دينه ودنياه.
3 أنَّ في ترك ما لا يعنيه راحةً لنفسه
وحفظاً لوقته وسلامة لعرضه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:34 pm

ص -59- الحديث الثالث عشر
عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله تعالى
عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا
يُؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه" رواه البخاري ومسلم.
1 في هذا
الحديث نفيُ كمال الإيمان الواجب عن المسلم حتى يحبَّ لأخيه المسلم ما يُحبُّ
لنفسه، وذلك في أمور الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك أن يُعاملَ الناسَ بمثل ما يحبُّ
أن يُعاملوه به، فقد جاء في صحيح مسلم (1844) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي
الله عنهما في حديث طويل: "فمَن أحبَّ أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنَّة، فلتأته
منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحبُّ أن يُؤتَى
إليه"، وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا
عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ}
2 قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/306): "وحديث أنس
يدلُّ على أنَّ المؤمنَ يَسرُّه ما يسرُّ أخاه المؤمن، ويريد لأخيه المؤمن ما يريده
لنفسه من الخير، وهذا كلُّه إنَّما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغلِّ والغِشِّ
والحسد، فإنَّ الحسدَ يقتضي أن يكره الحاسدُ أن يفوقَه أحدٌ في خير، أو يساويه فيه؛
لأنَّه يُحبُّ أن يَمتاز على الناس بفضائله، وينفرد بها عنهم، والإيمان يقتضي خلافَ
ذلك، وهو أن يشركه المؤمنون كلُّهم فيما أعطاه الله من الخير، من غير أن ينقص عليه
منه شيء"، وقال (1/308): "وفي الجملة فينبغي للمؤمن أن يُحبَّ للمؤمنين ما يُحبُّ
لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإن رأى في أخيه

ص -60- المسلم نقصاً في
دينه اجتهد في إصلاحه".
3 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أن يحبَّ المسلمُ
لأخيه المسلم ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها.
2 الترغيب في ذلك؛ لنفي
كمال الإيمان الواجب عنه حتى يكون كذلك.
3 أنَّ المؤمنين يتفاوتون في
الإيمان.
4 التعبير ب"أخيه"فيه استعطاف للمسلم لأنْ يحصل منه لأخيه
ذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:35 pm

الحديث الرابع عشر
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيِّب
الزاني، والنفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري ومسلم.
1
قوله: "الثيِّب الزاني" الثيِّب هو المحصَن، وحكمه الرَّجم كما ثبتت به السنَّة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما دلَّت عليه آيةُ الرجم التي نُسخت تلاوتها وبقي
حكمها.
2 قوله: "والنفس بالنفس"، أي: القتل قصاصاً، كما قال الله عزَّ وجلَّ:
{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية،
وقال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}

ص -61- 3 قوله: "التاركُ لدينه
المفارقُ للجماعة" والمراد به المرتدُّ عن الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن
بدَّل دينه فاقتلوه" رواه البخاري (3017).
4 ذكر الحافظ ابن رجب قتل جماعة غير
مَن ذكِر في الحديث، وهم القتل في اللواط، ومَن أتى ذات محرم، والساحر، ومَن وقع
على بهيمة، ومَن ترك الصلاة، وشارب الخمر في المرة الرابعة، والسارق في المرة
الخامسة، وقتل الآخِر من الخليفتين المبايَع لهما، ومَن شَهَر السِّلاح، والجاسوس
المسلم إذا تجسَّس للكفار على المسلمين.
5 ومِمَّا يُستفاد من الحديث:
1
عصمةُ دم المسلم إلاَّ إذا أتى بواحدة من هذه الثلاث.
2 أنَّ حكمَ الزاني المحصن
القتل رجماً بالحجارة.
3 قتل القاتل عمداً قصاصاً إذا توفَّرت شروط القصاص.
4
قتل المرتدِّ عن دين الإسلام، سواء كان ذكراً أو أنثى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:35 pm

الحديث الخامس عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيراً أو ليصمت،
ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم جارَه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليُكرِم ضيفَه" رواه البخاري ومسلم.
1 جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين ذكر الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر في هذه الأمور الثلاثة؛ لأنَّ
الإيمانَ بالله هو الأساسُ في كلِّ شيء يجب

ص -62- الإيمانُ به، فإنَّ أيَّ
شيء يجب الإيمان به تابعٌ للإيمان بالله، وأمَّا الإيمانُ باليوم الآخر ففيه
التذكير بالمعَاد والجزاء على الأعمال، إن خيراً فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ.
2
قوله: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيراً أو ليصمت"، هذه كلمةٌ جامعةٌ
من جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم، مقتضاها وجوب حفظ اللسان من الكلام إلاَّ في
خير، قال النووي في شرح هذا الحديث: "قال الشافعي رحمه الله تعالى: معنى الحديث إذا
أراد أن يتكلَّم فليُفكِّر، فإن ظهر أنَّه لا ضرر عليه تكلَّم، وإن ظهر أنَّ فيه
ضرراً وشكَّ فيه أمسك، وقال الإمام الجليل أبو محمد بن أبي زيد إمام المالكية
بالمغرب في زمنه: جميعُ آداب الخير تتفرَّع من أربعة أحاديث: قول النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وقوله صلى
الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وقوله صلى الله عليه وسلم
للذي اختصر له الوصيَّة: (لا تغضب)، وقوله: (لا يؤمن أحدُكم حتَّى يُحبَّ لأخيه ما
يُحبُّ لنفسه)"، ونقل النووي عن بعضهم أنَّه قال: "لو كنتم تشترون الكاغَد للحفظة
لسكتُّم عن كثير من الكلام".
3 الخير اسمٌ يُقابله الشر، ويأتي أيضاً"خير"أفعل
تفضيل حذفت منه الهمزة، وقد جاء الجمع بينهما في قول الله عزَّ وجلَّ: {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ
اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ}
4
قوله: "ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم جارَه"، حقُّ الجار من الحقوق
المؤكَّدة على جاره، وقد جاءت أحاديث كثيرة في الترغيب في إكرام الجار والترهيب من
إيذائه وإلحاق الضرر به، ومنها

ص -63- حديث عائشة رضي الله عنها: "ما زال
جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنَّه سيُورِّثه"رواه البخاري (6014)، ومسلم (2624)،
وحديث: "والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن
جارُه بوائقَه"رواه البخاري (6016)، ومسلم (73).
وإكرامُه يكون بأن يصل إليه
برُّه، وأن تحصل له السلامةُ من شرِّه، والجيران ثلاثة:
جارٌ مسلم ذو قربى، له
ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام.
وجارٌ مسلم ليس بذي قُربى، له
حق الإسلام والجوار.
وجار ليس بمسلم ولا ذي قُربى، له حقُّ الجوار فقط.
وأولى
الجيران بالإحسان مَن يكون أقربَهم باباً؛ لمشاهدته ما يدخل في بيت جاره، فيتطلَّع
إلى إحسانه إليه.
5 قوله: "ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفَه"،
إكرامُ الضيف من الحقوق التي للمسلمين على المسلمين، وهو من مكارم الأخلاق، وفي
صحيح البخاري (6019) من حديث أبي شُريح قال: سمعتْ أذناي وأبصرتْ عيناي حين تكلَّم
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم
جارَه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفَه جائزته، قيل: وما جائزته
يا رسول الله؟ قال: يومٌ وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، وما وراء ذلك فهو صدقة
عليه".
6 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 الترغيب في الكلام فيما هو
خير.

ص -64- 2 الترغيب في الصمت إذا لم يكن التكلُّم بخير.
3 التذكير عند
الترغيب والترهيب باليوم الآخر؛ لأنَّ فيه الحساب على الأعمال.
4 الترغيب في
إكرام الجار، والتحذير من إيذائه.
5 الحثُّ على إكرام الضيف والإحسان
إليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:36 pm

الحديث السادس عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال
للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أوصِني، قال: "لا تغضب، فردَّد مراراً قال: لا
تغضب"رواه البخاري.
1 قال الحافظ في الفتح (10/520): "قال الخطابي: معنى قوله:
"لا تغضب" اجْتنب أسبابَ الغضب ولا تتعرَّض لِمَا يجلبُه، وأمَّا نفس الغضب فلا
يتأتَّى النهي عنه؛ لأنَّه أمرٌ طبيعي لا يزول من الجِبلَّة"، وقال أيضاً: "وقال
ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تغضب" خيرَ الدنيا والآخرة؛ لأنَّ
الغضبَ يؤول إلى التقاطع ومنع الرِّفق، وربَّما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص
ذلك من الدِّين".
2 مدح الله الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأخبر النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم أنَّه: "ليس الشديد بالصُّرعة، إنَّما الشديد الذي يَملك نفسَه
عند الغضب"رواه البخاري (6114)، وعلى المرء إذا غضب أن يكظم غيظه، وأن يستعيذ بالله
من الشيطان الرجيم، كما في البخاري (6115)، وأن يجلس أو يضطجع، كما في سنن أبي داود
(4782) عن أبي ذر أنَّ

ص -65- رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا غضب
أحدُكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلاَّ فليضطجع"، وهو حديث صحيح، رجاله
رجال مسلم.
3 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 حرصُ الصحابة على الخير؛ لطلب هذا
الصحابي الوصيَّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 التحذير من أسباب الغضب
والآثار المترتِّبة عليه.
3 تكرار الوصية بالنهي عن الغضب دالٌّ على أهميَّة تلك
الوصية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:37 pm

الحديث السابع عشر
عن أبي يعلى شدَّاد بن أوس رضي الله عنه، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء، فإذا
قتلتُم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذِّبْحة، وليحدَّ أحدُكم شفرَتَه،
وليُرح ذبيحتَه"رواه مسلم.
1 قوله: "إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء"،
الإحسانُ ضدُّ الإساءة، وكتب بمعنى شرع وأوجب، فالكتابة دينية شرعيَّة، والإحسان
فيها يكون عامًّا للإنسان والحيوان.
2 ثمَّ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
بإحسان القِتلة والذِّبحة، وإحداد الشفرة وإراحة الذبيحة، وهذا مثال من أمثلة إيقاع
الإحسان عند قتل الإنسان المستحقِّ للقتل وذبح الحيوان، وذلك بسلوك أسهل الطرق التي
يكون بها إزهاق النفس من غير تعذيب.

ص -66- 3 قال ابن رجب في جامع العلوم
الحكم (1/381 382): "وهذا الحديث يدلُّ على وجوب الإحسان في كلِّ شيء من الأعمال،
لكن إحسان كلِّ شيء بحسبه، فالإحسانُ في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة
الإتيانُ بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأمَّا
الإحسان فيها بإكمال مستحبَّاتها فليس بواجب، والإحسانُ في ترك المحرَّمات،
الانتهاءُ عنها وتركُ ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ
وَبَاطِنَهُ}، فهذا القدرُ من الإحسان فيها واجبٌ، وأمَّا الإحسانُ في الصبر على
المقدورات، فأن يأتي بالصبر عليها على وجهه، من غير تَسَخُّط ولا جَزَعٍ، والإحسانُ
الواجب في معاملة الخَلق ومعاشرتهم، القيامُ بما أوجب الله من حقوق ذلك كلِّه،
والإحسان الواجب في ولاية الخَلق وسياستهم، القيامُ بواجبات الولاية كلِّها،
والقدرُ الزائد على الواجب في ذلك كلِّه إحسانٌ ليس بواجب، والإحسان في قتل ما
يَجوز قتله من الناس والدَّواب، إزهاقُ نفسه على أسرع الوجوه وأسهلِها وأوحاها يعني
أسرعها من غير زيادة في التعذيب، فإنَّه إيلامٌ لا حاجة إليه، وهذا النوعُ هو الذي
ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولعلَّه ذكَره على سبيل المثال،
أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال، فقال: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبَحتم
فأحسنوا الذِّبحة"، والقِتلةُ والذِّبحة بالكسر، أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هَيئة
الذَّبح وهيئةَ القتل، وهذا يدلُّ على وجوب الإسراعِ في إزهاق النفوس التي يُباح
إزهاقُها على أسهل الوجوه".
4 الإحسانُ في القتل مطلوب بدون تعذيب أو تمثيل،
سواء كان في قتال الكفار أو القتل قصاصاً أو حدًّا، إلاَّ أنَّه عند القتل قصاصاً
يُفعل

ص -67- بالقاتل كما فَعَلَ بالمقتول، كما جاء عن النَّبيِّ صلى الله
عليه وسلم في قتل اليهوديِّ الذي رضَّ رأس جارية بين حَجرين، رواه البخاري (2413)،
ومسلم (1672)، وكما جاء في قصة العُرنيِّين، رواه البخاري (6802)، ومسلم (1671)،
وأمَّا ما جاء في حدِّ الزاني المُحصَن، وهو الرَّجم، فهو إمَّا مستثنَى من عموم
هذا الحديث، أو محمول على أنَّ الإحسانَ يكون في موافقة الشرع، ورجم المحصَن
منه.
5 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 وجوب الإحسان في كلِّ شيء.
2 وجوب
الإحسان عند القتل بسلوك أيسر سبيل لإزهاق النفس.
3 وجوب الإحسان عند ذبح
الحيوان كذلك.
4 تفقد آلة الذَّبح قبل مباشرته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
"وليُحدِّ أحدُكم شفرته، وليُرح ذبيحَتَه".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:37 pm

الحديث الثامن عشر
عن أبي ذر جُندب بن جُنادة وأبي عبد الرحمن
معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّق
الله حيثما كنت، وأتْبع السيِّئةَ الحسنةَ تَمحُها، وخالِق الناسَ بخُلُق حسن"رواه
الترمذي، وقال: " حديث حسن"، وفي بعض النسخ: "حسن صحيح".
1 هذا الحديث اشتمل
بجُملِه الثلاث على ما هو مطلوب من المسلم لربِّه ولنفسه ولغيره.

ص -68- 2
قوله: "اتَّق الله حيثما كنت"، أصلُ التقوى في اللغة: أن يجعل بينه وبين الذي يخافه
وقاية تقيه منه، مثل اتِّخاذ النِّعال والخفاف للوقاية مِمَّا يكون في الأرض من
ضرر، وكاتِّخاذ البيوت والخيام لاتِّقاء حرارة الشمس، ونحو ذلك، والتقوى في الشرع:
أن يجعلَ الإنسانُ بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بفعل المأمورات وترك
المنهيات، وتصديق الأخبار، وعبادة الله وفقاً للشرع، لا بالبدع والمحدثات، وتقوى
الله مطلوبةٌ في جميع الأحوال والأماكن والأزمنة، فيتَّقي الله في السرِّ والعلن،
وبروزه للناس واستتاره عنهم، كما جاء في هذا الحديث: "اتَّق الله حيثما كنت".
3
قوله: "وأتْبع السيِّئة الحسنةَ تَمحُها"، عندما يفعل المرءُ سيِّئةً فإنَّه يتوب
منها، والتوبةُ حسنة، وهي تجبُّ ما قبلها من الكبائر والصغائر، ويكون أيضاً بفعل
الحسنات، فإنَّها تمحو الصغائر، وأمَّا الكبائر فلا يمحوها إلاَّ التوبة منها.
4
قوله: "وخالِق الناسَ بخُلُق حسن"، فإنَّه مطلوب من الإنسان أن يُعامل الناسَ
جميعاً معاملة حسنة، فيُعاملهم بمثل ما يحبُّ أن يُعاملوه به؛ لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه"، وقوله صلى الله عليه
وسلم: "فمَن أحبَّ أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنَّة، فلتأته منيَّتُه وهو يؤمن
بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحبُّ أن يُؤتَى إليه"، فقد وصف الله
نبيَّه صلى الله عليه وسلم بأنَّه على خُلُق عظيم، وجاء عن عائشة رضي الله عنها
أنَّ خلقَه صلى الله عليه وسلم القرآن، رواه مسلم (746)، أي: أنَّه يقوم بتطبيق ما
فيه، وجاء في السنة أحاديث كثيرة تدلُّ على فضل حسن الخُلُق، وتحثُّ على التخلُّق
بالأخلاق الحسنة، وتحذِّر من الأخلاق السيِّئة.

ص -69- 5 مِمَّا يُستفاد من
الحديث:
1 كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمَّته، ومن ذلك ما اشتمل عليه
هذا الحديث من هذه الوصايا الثلاث العظيمة الجامعة.
2 الأمر بتقوى الله في جميع
الأحوال والأمكنة والأزمان.
3 الحثُّ على إتباع السيِّئات بالحسنات.
4 أنَّ
الحسنات تمحو السيِّئات.
5 الحثُّ على مخالقة الناس بالأخلاق
الحسنة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:38 pm

الحديث التاسع عشر
عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى
عنهما قال كنت: خلف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: "يا غلام! إنِّي
أعلِّمك كلمات: احفظ اللهَ يَحفظك، احفظ اللهَ تَجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ،
وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنَّ الأمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لَم
ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لَم يضروك
إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ وجَفَّت الصُّحف"رواه الترمذي وقال:
"حديث حسن صحيح"، وفي رواية غير الترمذي: "احفظ الله تَجده أمامَك، تعرَّف إلى الله
في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة، واعلم أنَّ ما أخطأك لَم يكن ليصيبَك، وما أصابَك
لَم يكن لِيُخطئك، واعلمْ أنَّ النَّصرَ مع الصبر، وأنَّ الفَرَجَ مع الكَرْبِ،
وأنَّ مع العُسر يُسراً".

ص -70- 1 قوله: "احفظ الله يحفظك"، أي: احفظ حدود
الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق الأخبار، وعبادته وفقاً لِمَا شرع، لا
بالأهواء والبدع، يحفظك الله في أمور دينك ودُنياك جزاءً وفاقاً، أي: أنَّ الجزاءَ
من جنس العمل، فالعملُ حفظٌ والجزاءُ حفظٌ.
2 قوله: "احفظ الله تجده تجاهك"
تُجاهك بمعنى أمامك، كما في الرواية الأخرى: "احفظ الله تجده أمامك"، والمعنى: تجده
يحوطُك ويرعاك في أمور دينك ودنياك.
3 قوله: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت
فاستعن بالله"، هذا مطابقٌ لقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ}؛ فإنَّ سؤال الله دعاء، والدعاءُ هو العبادة، والمعنى أنَّ المسلمَ
يعبد الله وحده، ويسأله قضاء حاجاته، ويستعين به في جميع أموره الدنيوية
والأُخروية، ويأخذ بالأسباب المشروعة، ويسأل الله أن ينفع بالأسباب، كما قال صلى
الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز"رواه مسلم (2664).
4
قوله: "واعلم أنَّ الأمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك" إلى قوله: "رُفعت الأقلام
وجفَّت الصُّحف"، بعد أن ذكر أنَّ السؤال لله وحده والاستعانة بالله وحده، أخبرَ
أنَّ كلَّ شيء بيده، وأنَّه لا مانع لِمَا أعطى، ولا مُعطي لِمَا منع، وأنَّ كلَّ
شيء لا يخرج عن إرادته ومشيئته، وأنَّ العبادَ لا يُمكنهم أن ينفعوه بشيء لم
يُقدِّره الله، ولا أن يضرُّوه بشيء لم يُقدِّره الله، وأنَّ كلَّ شيء يقع أو لا
يقع سبق به القضاء والقدر، ولهذا قال: "رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف"، أي: أنَّ كلَّ
كائن قد فُرغ منه وكُتب، ولا بدَّ من وقوعه، والمراد برفع الأقلام وجفاف الصُّحُف
الانتهاء من كلِّ شيء مقدَّر بكتابته في اللوح المحفوظ، فلا بدَّ أن

ص -71-
يقع وفقاً لِمَا قُدِّر، وهذه الجُمَل فيها إثبات الإيمان بالقدر، وهو أحد أصول
الإيمان الستة المبيًَّنة في حديث جبريل المشهور.
5 قوله: "تعرَّف إلى الله في
الرَّخاء يعرفك في الشدَّة"، المعنى: أنَّ مَن أخلصَ عملَه لله في حال رخائه وسعته
يجدُ الخيرَ من الله، ودَفْعَ الضرِّ عنه في حال شدَّته وكربه، كما قال الله عزَّ
وجلَّ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ
لا يَحْتَسِبُ}، وقال: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي
بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، وكما في قصَّة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى
غار، فانحدرت صخرةٌ وسدَّت باب الغار، وتوسَّلوا إلى الله عزَّ وجلَّ بأعمال لهم
صالحة عملوها في حال رخائهم، فتوسَّل أحدُهم ببرِّه والديه، وتوسَّل الثاني بحفظه
للأمانة وتنميتها وردِّها لصاحبها، وتوسَّل الثالث بتركه الفاحشة من أجل الله بعد
قُدرته عليها، فكشف الله ما بهم من كرب، وأزال ما حلَّ بهم من ضرر، فتزحزحت الصخرةُ
حتَّى تمكَّنوا من الخروج من ذلك الغار، رواه البخاري (5974)، ومسلم (2743).
6
قوله: "واعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليُخطئك"، المعنى:
أنَّ ما قدَّر الله سلامتك منه فإنَّه لا يحصل لك، وما قدَّر حصوله لك فلا بدَّ من
وقوعه؛ لأنَّه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ شيء قدَّر الله حصولَه لا
بدَّ أن يوجد ولا يتخلَّف، وكلُّ شيء لم يُقدَّر لك، لا سبيل إلى حصولك عليه ووصولك
إليه.
7 قوله: "واعلم أنَّ النَّصرَ مع الصبر، وأنَّ الفرَج مع الكرب، وأنَّ مع
العُسر يسراً"، في هذه الجُمل الثلاث بيان حصول النصر مع الصبر، والفرَج مع الكرب،
واليُسر مع العُسر، وأنَّ الصبرَ ينتجُ عنه النَّصر بإذن الله،

ص -72- وأنَّ
الكربَ والشدَّة يكشفها الله بالفرَج الذي يعقبها، وأنَّ العُسر يعقبه اليسر من
الله عزَّ وجلَّ.
8 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ مَن حفظ حدودَ الله
حفظه في دينه ودنياه.
2 أنَّ مَن أضاع حدودَ الله لا يحصل له الحفظُ من الله،
كما قال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}
3 أنَّ الجزاءَ من جنس العمل، فالعمل
حفظ، والجزاء حفظ.
4 أنَّ العبدَ يخصُّ ربَّه بالعبادة والاستعانة.
5 الإيمان
بالقدر.
6 أنَّ العبادَ لا ينفعون ولا يضرُّون إلاَّ إذا كان النفعُ والضَّرر
مقدَّرَين من الله.
7 أنَّه لا يحصل لأحد نفعٌ إلاَّ إذا كان مقدَّراً، ولا
يندفع عنه ضرر إلاَّ إذا كان مقدَّراً، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
8
أنَّ الصبر يعقبه النصر.
9 أنَّ الكرب يعقبه الفرَج.
10 أنَّ العُسرَ يعقبه
اليُسر.
11 تواضعه صلى الله عليه وسلم وملاطفته الصغار.
12 التقديم بين يدي
ذكر الأمر المهمِّ بما يحفز النفوس إليه؛ لقوله: "ألاَ أعلِّمك كلمات".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:38 pm

ص -73- الحديث العشرون
عن أبي مسعود عُقبة بن عمرو الأنصاري
البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِمَّا أدرك
الناس من كلام النُّبوة الأولى: إذا لَم تستح فاصنع ما شئتَ" رواه البخاري.
1
الحديث يدلُّ على أنَّ الحياءَ ممدوحٌ، وكما هو في هذه الشريعة فهو في الشرائع
السابقة، وأنَّه من الأخلاق الكريمة التي توارثتها النبوات حتى انتهت إلى هذه
الأمَّة، والأمر فيه للإباحة والطلب إذا لم يكن المستحيا منه ممنوعاً شرعاً، وإن
كان ممنوعاً فهو للتهديد، أو أنَّ مثل ذلك لا يحصل إلاَّ مِمَّن ذهب حياؤه أو قلَّ،
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/497): "فقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ
مِمَّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى" يشير إلى أنَّ هذا مأثورٌ عن الأنبياء
المتقدِّمين، وأنَّ الناس تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قرناً بعد قرن، وهذا يدلُّ
على أنَّ النبوةَ المتقدِّمة جاءت بهذا الكلام، وأنَّه اشتهر بين الناس حتى وصل إلى
أوَّل هذه الأمَّة".
إلى أن قال: "وقوله: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" في معناه
قولان:
أحدهما: أنَّه ليس بمعنى الأمر أن يصنعَ ما شاء، ولكنَّه على معنى الذمِّ
والنهي عنه، وأهلُ هذه المقالة لهم طريقان، أحدهما: أنَّه أمرٌ بمعنى التهديد
والوعيد، والمعنى: إذا لم يكن لك حياءٌ فاعمل ما شئتَ، فإنَّ الله يجازيك عليه،
كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وقوله:
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}... هذا اختيارُ جماعة منهم أبو العباس
ثعلب.

ص -74- والطريق الثاني: أنَّه أمرٌ ومعناه الخبر، والمعنى: أنَّ مَن
لم يستح صَنعَ ما شاء، فإنَّ المانعَ مِن فعل القبائح هو الحياء، فمَن لم يكن له
حياءٌ انهمك في كلِّ فحشاء ومنكر، وما يَمتنع من مثله مَن له حياء على حدِّ قوله
صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار"، فإنَّ لفظَه لفظُ
الأمر، ومعناه الخبر، وأنَّ مَن كذب عليه تبوأ مقعده من النار، وهذا اختيار أبي
عُبيد القاسم بن سلام رحمه الله وابن قتيبة ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم، وروى أبو
داود عن الإمام أحمد ما يدلُّ على مثل هذا القول ...
والقول الثاني في معنى
قوله: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) أنَّه أمرٌ بفعل ما يشاء على ظاهر لفظه، والمعنى
إذا كان الذي تريد فعله مِمَّا لا يستحيا مِن فعله لاَ من الله ولا من الناس؛ لكونه
من أفعال الطاعات أو مِن جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فاصنع منه حينئذ ما شئتَ،
وهذا قول جماعة من الأئمة منهم أبو إسحاق المروزي الشافعي وحكي مثله عن الإمام
أحمد".
وقال (1/501 502): "واعلم أنَّ الحياء نوعان: أحدهما ما كان خُلُقاً
وجِبلَّةً غير مكتسب، وهو مِن أجل الأخلاق التي يَمنحها الله العبد ويجبله عليها،
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (الحياءُ لا يأتي إلاَّ بخير)؛ فإنَّه يَكُفُّ عن
ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويَحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو
مِن خصال الإيمان بهذا الاعتبار ...
والثاني: ما كان مكتسَباً مِن معرفة الله
ومعرفة عَظمته وقربه من عباده، واطِّلاعه عليهم وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي
الصدور، فهذا مِن

ص -75- أعلى خصال الإيمان بل هو مِن أعلى درجات الإحسان
...
وقد يتولَّد الحياءُ من الله مِن مطالعة نعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا
سُلب العبدُ الحياء المكتسب والغريزي لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق
الدنيئة، فصار كأنَّه لا إيمان له".
2 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ خلق
الحياء من الأخلاق الكريمة المأثورة عن النبوات السابقة.
2 الحثُّ على الحياء
والتنويه بفضله.
3 أنَّ فقدَ الحياء يوقع صاحبَه في كلِّ شر.
[/size]

جمع الفقير إلى الله جل و علا :
أبو حارثة الأثري اليمني
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:39 pm

بتبببببع........
الجزء الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -2-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منابـــر أهل الحديث والأثــر :: المنبر الاسلامي :: منبرالاحاديث النبوية-
انتقل الى: