باب الْكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ وَقَبْلَ اَنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ
الشرح:
قوله:
(باب الكنية للصبي، وقبل ان يولد للرجل) في رواية الكشميهني " يلد
الرجل " ذكر فيه قصة ابي عمير وهو مطابق لاحد ركني الترجمة، والركن
الثاني ماخوذ من الالحاق بل بطريق الاولى، واشار بذلك الى الرد على من منع
تكنية من لم يولد له مستندا الى انه خلاف الواقع، فقد اخرج ابن ماجه واحمد
والطحاوي وصححه الحاكم من حديث صهيب " ان عمر قال له: ما لك تكنى ابا
يحيى وليس لك ولد؟ قال: ان النبي صلى الله عليه وسلم كناني " واخرج
سعيد بن منصور من طريق فضيل بن عمرو " قلت لابراهيم اني اكنى ابا النضر
وليس لي ولد، واسمع الناس يقولون: من اكتنى وليس له ولد فهو ابو جعر،
فقال ابراهيم: كان علقمة يكنى ابا شبل وكان عقيما لا يولد له وقوله جعر
بفتح الجيم وسكون المهملة، وشبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة.
واخرج المصنف في " الادب المفرد " عن علقمة قال: كناني عبد الله بن مسعود قبل ان يولد لي.
وقد كان ذلك مستعملا عند العرب، قال الشاعر: لها كنية عمرو وليس لها عمرو.
واخرج ابن ابي شيبة عن الزهري قال: كان رجال من الصحابة يكتنون قبل ان يولد لهم.
واخرج
المصنف في " باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم " من كتاب
الجنائز عن هلال الوزان قال: كناني عروة قبل ان يولد لي.
قلت: وكنية هلال المذكور ابو عمرو ويقال ابو امية ويقال غير ذلك.
واخرج الطبراني عن علقمة عن ابن مسعود " ان النبي صلى الله عليه وسلم كناه ابا عبد الرحمن قبل ان يولد له " وسنده صحيح.
قال
العلماء: كانوا يكنون الصبي تفاؤلا بانه سيعيش حتى يولد له، وللامن من
التلقيب، لان الغالب ان من يذكر شخصا فيعظمه ان لا يذكره باسمه الخاص به
فاذا كانت له كنية امن من تلقيبه، ولهذا قال قائلهم: بادروا ابناءكم
بالكنى قبل ان تغلب عليها الالقاب.
وقالوا: الكنية للعرب كاللقب للعجم، ومن ثم كره للشخص ان يكني نفسه الا ان قصد التعريف.
الحديث:
حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ اَبِي التَّيَّاحِ عَنْ
اَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً وَكَانَ لِي اَخٌ يُقَالُ لَهُ اَبُو عُمَيْرٍ
قَالَ اَحْسِبُهُ فَطِيماً وَكَانَ اِذَا جَاءَ قَالَ يَا اَبَا عُمَيْرٍ
مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ
نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي
بَيْتِنَا فَيَاْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ
وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا
الشرح:
قوله:
(عبد الوارث) هو ابن سعيد، وابو التياح بمثناة فوقانية ثم تحتانية
ثقيلة مفتوحتين ثم مهملة هو يزيد بن حميد، والاسناد كله بصريون، وقد تقدم
من رواية شعبة عن ابي التياح في " باب الانبساط الى الناس " وقد اخرجه
النسائي من طريق شعبة هكذا، ومن وجه اخر عن شعبة عن قتادة عن انس، ومن وجه
ثالث عن شعبة عن محمد بن قيس عن حميد عن انس والمشهور الاول، ويحتمل ان
يكون لشعبة فيه طرق.
قوله:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم احسن الناس خلقا) هذا قاله انس توطئة
لما يريد من قصة الصبي، واول حديث شعبة عن انس قال " ان كان النبي صلى
الله عليه وسلم ليخالطنا " ولاحمد من طريق المثنى بن سعيد عن ابي التياح
عن انس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور ام سليم " وفي رواية محمد
بن قيس المذكور " كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اختلط بنا اهل البيت
" يعني لبيت ابي طلحة وام سليم، ولابي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن
انس " كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشانا ويخالطنا " وللنسائي من
طريق اسماعيل بن جعفر عن حميد عن انس " كان النبي صلى الله عليه وسلم
ياتي ابا طلحة كثيرا " ولابي يعلى من طريق خالد بن عبد الله عن حميد "
كان ياتي ام سليم وينام على فراشها، وكان اذا مشى يتوكا " ولابن سعد
وسعيد بن منصور عن ربعي بن عبد الله بن الجارود عن انس " كان يزور ام
سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له".
قوله: (وكان لي اخ يقال له ابو عمير) هو بالتصغير.
وفي
رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن انس عند احمد " كان لي اخ صغير " وهو
اخو انس بن مالك من امه، ففي رواية المثنى بن سعيد المذكورة " وكان لها
اي ام سليم ابن صغير " وفي رواية حميد، عند احمد " وكان لها من ابي
طلحة ابن يكنى ابا عمير " وفي رواية مروان بن معاوية عن حميد عند ابن
ابي عمر " كان بني لابي طلحة " وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عند
ابن سعد " ان ابا طلحة كان له ابن قال احسبه فطيما " في بعض النسخ "
فطيم " بغير الف وهو محمول على طريقة من يكتب المنصوب المنون بلا الف
والاصل فطيم لانه صفة اخ وهو مرفوع، لكن تخلل بين الصفة والموصوف "
احسبه"، وقد وقع عند احمد من طريق المثنى بن سعيد مثل ما في الاصل فطيم
بمعنى مفطوم اي انتهى ارضاعه.
قوله:
(وكان) اي النبي صلى الله عليه وسلم (اذا جاء) زاد مروان بن
معاوية في روايته " اذا جاء لام سليم يمازحه " ولاحمد في روايته عند
حميد مثله، وفي اخرى " يضاحكه " وفي رواية محمد بن قيس يهازله.
وفي رواية المثنى بن ابي عوانة " يفاكهه".
قوله:
(يا ابا عمير) في رواية ربعي بن عبد الله " فزارنا ذات يوم فقال:
يا ام سليم ما شاني ارى ابا عمير ابنك خائر النفس " بمعجمة ومثلثة اي
ثقيل النفس غير نشيط.
وفي
رواية مروان بن معاوية واسماعيل بن جعفر كلاهما عن حميد " فجاء يوما وقد
مات نغيره " زاد مروان " الذي كان يلعب به " زاد اسماعيل " فوجده
حزينا، فسال عنه فاخبرته فقال: يا ايا عمير " وساقه احمد عن يزيد بن
هارون عن حميد بتمامه.
وفي
رواية حماد بن سلمة المشار اليها " فقال ما شان ابي عمير حزينا " وفي
رواية ربعي بن عبد الله " فجعل يمسح راسه ويقول " في رواية عمارة بن
زاذان " فكان يستقبله ويقول".
قوله: (ما فعل النغير ) بنون ومعجمة وراء مصغر، وكرر ذلك في رواية حماد بن سلمة.
قوله:
(نغير كان يلعب به) وهو طير صغير واحد نغرة وجمعه نغران، قال الخطابي
طوير له صوت، وفيه نظر فانه ورد في بعض طرقه انه الصعو بمهملتين بوزن
العفو كما في رواية ربعي " فقالت ام سليم ماتت صعوته التي كان يلعب بها،
فقال اي ابا عمير مات النغير " فدل على انهما شيء واحد والصعو لا يوصف بحسن الصوت، قال الشاعر: كالصعو يـرتع في الرياض وانما حبس الهزار لانه يترنم
قال عياض: النغير طائر معروف يشبه العصفور، وقيل هي فرخ العصافير، وقيل هي نوع من الحمر بضم المهملة وتشديد الميم ثم راء، قال: والراجح ان النغيرطائر احمر المنقار.
قلت: هذا الذي جزم به الجوهري.
وقال صاحب " العين والمحكم ": الصعو صغير المنقار احمر الراس.
قوله: (فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا الخ) تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة، وتقدمت الاشارة اليه قريبا ايضا.