منابـــر أهل الحديث والأثــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اتباع أهل الحديث والأثر في فهم النصوص
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:23 pm

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حياكم الله و بياكم و طبتم و طاب ممشاكم و تبوءتم من الجنة منزلا
أما بعد : فقد جمعت ما تيسر لي جمعه عن شرح الأربعين النووية وتتمة الخمسين للنووي و ا بن رجب
و أبدأ بكتاب فتح القويم المتين في شرح الأربعين للشيخ عبد المحسن العباد
نسأل الله أن يوفقني و إياكم لما يحبه و يرضاه

ص -8- الحديث الأول
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّما الأعمال
بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى، فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرتُه
إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر
إليه".
رواه إمامَا المحدِّثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن
المغيرة بن بردزبه البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري
في صحيحيهما اللذين هما أصحُّ الكتب
المصنَّفة.
----------------------------------
1 أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب
السنن وغيرُهم، وقد تفرَّد بروايته عن عمر: علقمة بنُ وقاص الليثي، وتفرَّد به عنه
محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرَّد عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم كثر الآخذون عنه،
فهو من غرائب صحيح البخاري، وهو فاتحته، ومثله في ذلك خاتمته، وهو حديث أبي هريرة
"كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ..." الحديث، وهو أيضاً من غرائب الصحيح.
2 افتتح
النووي أحاديث الأربعين بهذا الحديث، وقد افتتح جماعة من أهل العلم كتبَهم به، منهم
الإمام البخاري افتتح صحيحه به، وعبد الغني المقدسي افتتح كتابه عمدة الأحكام به،
والبغوي افتتح كتابيه مصابيح السنة وشرح السنة به، وافتتح السيوطي كتابه الجامع
الصغير به، وعقد النووي في أول كتابه المجموع شرح المهذب فصلاً قال فيه (1/35):
"فصل في الإخلاص والصدق وإحضار النية في جميع

ص -9- الأعمال البارزة
والخفية"، أورد فيه ثلاث آيات من القرآن، ثم حديث "إنَّما الأعمال بالنيَّات"،
وقال: "حديث صحيح متفق على صحته، ومجمع على عظم موقعه وجلالته، وهو إحدى قواعد
الإيمان وأول دعائمه وآكد الأركان، قال الشافعي رحمه الله: يدخل هذا الحديث في
سبعين باباً من الفقه، وقال أيضاً: هو ثلث العلم، وكذا قاله أيضاً غيرُه، وهو أحد
الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عدِّها، فقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة،
وقيل: اثنان، وقيل: حديث، وقد جمعتها كلَّها في جزء الأربعين، فبلغت أربعين حديثاً،
لا يستغني متديِّن عن معرفتها؛ لأنَّها كلَّها صحيحة، جامعة قواعد الإسلام، في
الأصول والفروع والزهد والآداب ومكارم الأخلاق وغير ذلك، وإنَّما بدأت بهذا الحديث
تأسيًّا بأئمَّتنا ومتقدِّمي أسلافنا من العلماء رضي الله عنهم، وقد ابتدأ به إمام
أهل الحديث بلا مدافعة أبو عبد الله البخاري صحيحه، ونقل جماعة أنَّ السلف كانوا
يستحبُّون افتتاح الكتب بهذا الحديث؛ تنبيهاً للطالب على تصحيح النيَّة وإرادته وجه
الله تعالى بجميع أعماله البارزة والخفيَّة، ورُوينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن
بن مهدي رحمه الله قال: لو صنَّفت كتاباً بدأت في أوَّل كلِّ باب منه بهذا الحديث،
ورُوينا عنه أيضاً قال: مَن أراد أن يصنِّف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث، وقال الإمام
أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي الشافعي الإمام في كتابه
المعالم رحمه الله تعالى: كان المتقدِّمون من شيوخنا يستحبُّون تقديم حديث "الأعمال
بالنيات" أمام كلِّ شيء يُنشأ ويُبتدأ من أمور الدِّين؛ لعموم الحاجة إليه في جميع
أنواعها".
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/61): "واتَّفق
العلماء

ص -10- على صحَّته وتلقيه بالقبول، وبه صدَّر البخاري كتابَه
الصحيح، وأقامه مقام الخُطبة له؛ إشارة منه إلى أنَّ كلَّ عمل لا يُراد به وجه الله
فهو باطل، لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة".
3 قال ابن رجب: "وهذا الحديث
أحد الأحاديث التي يدور الدِّين عليها، فروي عن الشافعي أنَّه قال: هذا الحديث ثلث
العلم، ويدخل في سبعين باباً من الفقه، وعن الإمام أحمد قال: أصول الإسلام على
ثلاثة أحاديث: حديث عمر: "الأعمال بالنيات"، وحديث عائشة: "من أحدث في أمرنا ما ليس
منه فهو رد"، وحديث النعمان بن بشير: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن".
وقال أيضاً
(1/71) في توجيه كلام الإمام أحمد: "فإنَّ الدِّين كلَّه يرجع إلى فعل المأمورات
وترك المحظورات، والتوقف عن الشبهات، وهذا كلُّه تضمَّنه حديث النعمان بن بشير،
وإنَّما يتمُّ ذلك بأمرين:
أحدهما: أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنَّة،
وهذا هو الذي تضمَّنه حديث عائشة: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو
رد".
والثاني: أن يكون العمل في باطنه يُقصد به وجه الله عزَّ وجلَّ، كما
تضمَّنه حديث عمر: "الأعمال بالنيات".
وأورد بن رجب نقولاً (1/61 63) عن بعض
العلماء في الأحاديث التي يدور عليها الإسلام، وأنَّ منهم من قال: إنَّها اثنان،
ومنهم مَن قال: أربعة، ومنهم من قال: خمسة، والأحاديث التي ذكرها عنهم بالإضافة إلى
الثلاثة الأولى حديث: "إنَّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه"، وحديث: "من حسن إسلام
المرء تركه ما لا يعنيه"،

ص -11- وحديث: "إنَّ الله طيِّب لا يقبل إلاَّ
طيِّباً"، وحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"، وحديث: "لا ضرر
ولا ضرار"، وحديث: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"، وحديث: "ازهد في
الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس"، وحديث: "الدِّين
النصيحة".
4 قوله: "إنَّما الأعمال بالنيَّات"، (إنَّما): أداة حصر، و(ال) في
(الأعمال) قيل: إنَّها خاصة في القُرَب، وقيل: إنَّها للعموم في كلِّ عمل، فما كان
منها قُربة أثيب عليه فاعله، وما كان منها من أمور العادات كالأكل والشرب والنوم
فإنَّ صَاحبَه يُثاب عليه إذا نوى به التقوِّي على الطاعة، والألف واللاَّم
ب(النيات) بدلاً من الضمير (ها)، أي: الأعمال بنيَّاتها، ومتعلق الجار والمجرور
محذوف تقديره معتبرة، أي: أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها، والنيَّة في اللغة:
القصد، وتأتي للتمييز بين العبادات، كتمييز فرض عن فرض، أو فرض عن نفل، وتمييز
العبادات عن العادات، كالغسل من الجنابة والغسل للتبرُّد والتنظُّف.
5 قوله:
"وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى"، قال ابن رجب (1/65): "إخبارٌ أنَّه لا يحصل له من
عمله إلاَّ ما نواه، فإن نوى خيراً حصل له خير ٌ، وإن نوى شرًّا حصل له شرٌّ، وليس
هذا تكريراً مَحضاً للجملة الأولى، فإنَّ الجملة الأولى دلَّت على أنَّ صلاحَ العمل
وفسادَه بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية دلَّت على أنَّ ثوابَ العامل
على عمله بحسب نيَّتِه الصالحة، وأنَّ عقابه عليه بحسب نيَّته الفاسدة، وقد تكون
نيَّتُه مباحةً فيكون العملُ مباحاً، فلا يحصل له به ثوابٌ ولا

ص -12- عقاب،
فالعملُ في نفسه: صلاحه وفساده وإباحته بحسب النية الحاملة عليه المقتضية لوجوده،
وثوابُ العامل وعقابُه وسلامته بحسب نيته التي بها صار العملُ صالحاً أو فاسداً أو
مباحاً".
6 قوله: "فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله،
ومَن كانت هجرته لدُنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرتُه إلى ما هاجر
إليه".
الهجرة من الهَجر وهو الترك، وتكون بترك بلد الخوف إلى بلد الأمن،
كالهجرة من مكة إلى الحبشة، وتكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، كالهجرة من مكة
إلى المدينة، وقد انتهت الهجرة إليها بفتح مكة، والهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد
الإسلام باقية إلى قيام الساعة.
وقوله: "فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته
إلى الله ورسوله" اتَّحد فيه الشرط والجزاء، والأصل اختلافهما، والمعنى: من كانت
هجرته إلى الله ورسوله نيَّة وقصداً، فهجرته إلى الله ورسوله ثواباً وأجراً،
فافترقا، قال ابن رجب (1/72): "لَمَّا ذكر صلى الله عليه وسلم أنَّ الأعمالَ بحسب
النيَّات، وأنَّ حظَّ العامل من عمله نيته من خير أو شرٍّ، وهاتان كلمتان جامعتان
وقاعدتان كليَّتان، لا يخرج عنهما شيء، ذكر بعد ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي
صورتُها واحدة، ويختلف صلاحُها وفسادُها باختلاف النيَّات، وكأنَّه يقول: سائر
الأعمال على حذو هذا المثال".
وقال أيضاً (1/73): "فأخبر النَّبيُّ صلى الله
عليه وسلم أنَّ هذه الهجرة تختلف باختلاف النيَّات والمقاصد بها، فمَن هاجر إلى دار
الإسلام حبًّا لله ورسوله، ورغبةً في تعلم دين الإسلام وإظهار دينه حيث كان يعجز
عنه

ص -13- في دار الشرك، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقًّا، وكفاه
شرَفاً وفخراً أنَّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا المعنى اقتصر
في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه؛ لأنَّ حصولَ ما نواه بهجرته نهايةُ المطلوب في
الدنيا والآخرة.
ومَن كانت هجرتُه من دار الشرك إلى دار الإسلام لطلب دنيا
يُصيبها أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأوَّل
تاجرٌ، والثاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر.
وفي قوله: "إلى ما هاجر إليه"
تحقيرٌ لِمَا طلبه من أمر الدنيا واستهانة به، حيث لم يذكره بلفظه، وأيضاً فالهجرةُ
إلى الله ورسوله واحدةٌ، فلا تعدُّدَ فيها، فلذلك أعاد الجوابَ فيها بلفظ الشرط،
والهجرةُ لأمور الدنيا لا تَنحصر، فقد يهاجرُ الإنسانُ لطلب دنيا مباحة تارة
ومحرَّمة أخرى، وأفراد ما يُقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر، فلذلك قال:
"فهجرته إلى ما هاجر إليه" يعني كائناً ما كان".
7 قال ابن رجب (1/74 75): "وقد
اشتهر أنَّ قصةَ مهاجر أمِّ قيس هي كانت سببَ قولِ النبَّيِّ صلى الله عليه وسلم:
"من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها" وذكر ذلك كثيرٌ من المتأخرين في
كُتُبهم، ولَم نرَ لذلك أصلاً بإسناد يَصحُّ، والله أعلم".
8 النيَّة محلُّها
القلب، والتلفُّظ بها بدعة، فلا يجوز التلفُّظ بالنيَّة في أيِّ قُربة من القُرَب،
إلاَّ في الحجِّ والعمرة، فله أن يُسمِّي في تلبيته ما نواه من قران أو إفراد أو
تمتُّع، فيقول: لبَّيك عمرة وحجًّا، أو لبَّيك حجًّا، أو لبَّيك عمرة؛ لثبوت
السنَّة في ذلك دون غيره.

ص -14- مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّه لا
عمل إلاَّ بنيَّة.
2 أنَّ الأعمال معتبرة بنيَّاتها.
3 أنَّ ثواب العامل على
عمله على حسب نيَّته.
4 ضرب العالم الأمثال للتوضيح والبيان.
5 فضل الهجرة
لتمثيل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بها، وقد جاء في صحيح مسلم (192) عن عمرو بن
العاص رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أمَا علمتَ أنَّ
الإسلامَ يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يهدم ما
كان قبله؟".
6 أنَّ الإنسانَ يُؤجرُ أو يؤزر أو يُحرم بحسب نيَّته.
7 أنَّ
الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعةً إذا نوى
به الإنسان خيراً، كالأكل والشرب إذا نوى به التقوِّي على العبادة.
8 أنَّ العمل
الواحد يكون لإنسان أجراً، ويكون لإنسان حرماناً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:24 pm

ص -15- الحديث الثاني
عن عمر رضي الله عنه أيضاً قال: "بينما نحن
جلوسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طَلَعَ علينا رجلٌ شديد بياض
الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر ولا يعرفه منَّا أحدٌ، حتى جلس
إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسنَد ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على
فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي
الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً، قال: صدقت، فعجبنا له
يسأله ويصدِّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمنَ بالله وملائكته وكُتبه
ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقتَ، فأخبرني عن الإحسان؟ قال:
أن تعبدَ الله كأنَّك تراه، فإن لَم تكن تراه فإنَّه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟
قال: ما المسئول عنها بأعلمَ من السائل، قال: فأخبرني عن أمَاراتِها؟ قال: أن تلدَ
الأَمَةُ ربَّتَها، وأن ترى الحُفاةَ العُراة العالة رِعاء الشاءِ يتطاولون في
البُنيان، ثمَّ انطلق فلبث مليًّا ثم قال: يا عمر أتدري مَن السائل؟ قلت: الله
ورسوله أعلم، قال: فإنَّه جبريل أتاكم يعلِّمُكم دينَكم" رواه
مسلم.
----------------------------------
1 حديث جبريل هذا عن عمر رضي الله
عنه انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري، واتَّفقا على إخراجه من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه، والإمام النووي رحمه الله بدأ أحاديث الأربعين بحديث عمر "إنَّما الأعمال
بالنيات"، وهو أوَّل حديث في صحيح البخاري، وثنَّى بحديث عمر في قصة مجيء جبريل إلى
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أوَّل حديث في صحيح مسلم،

ص -16- وقد
سبقه إلى ذلك الإمام البغوي في كتابيه شرح السنة ومصابيح السنَّة، فقد افتتحهما
بهذين الحديثين.
وقد أفردت هذا الحديث بشرح مستقل أوسع من شرحه هنا.
2 هذا
الحديث هو أوَّل حديث في كتاب الإيمان من صحيح مسلم، وقد حدَّث به عبد الله بن عمر،
عن أبيه، ولتحديثه به قصة ذكرها مسلم بين يدي هذا الحديث بإسناده عن يحيى بن يَعمر
قال: "كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد ابن عبد
الرحمن الحميري حاجَّين أو معتمرين،, فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدر، فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن
الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت
أنَّ صاحبي سيكل الكلام إليَّ، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنَّه قد ظهر قبلنا ناسٌ
يقرؤون القرآن ويتقفَّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنَّهم يزعمون أن لا قَدر وأنَّ
الأمر أُنُف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرْهم أنِّي بريء منهم، وأنَّهم بُرآء منِّي،
والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أنَّ لأحدهم مثل أُحُد ذهباً فأنفقه ما قبل الله
منه حتى يؤمنَ بالقدر، ثم قال: حدَّثني أبي عمر بن الخطاب"، وساق الحديث من أجل
الاستدلال به على الإيمان بالقدر، وفي هذه القصة أنَّ ظهور بدعة القدرية كانت في
زمن الصحابة، في حياة ابن عمر، وكانت وفاته سنة (73ه) رضي الله عنه، وأنَّ التابعين
يرجعون إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في معرفة أمور الدِّين، وهذا هو
الواجب، وهو الرجوع إلى أهل العلم في كلِّ وقت؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: {فَاسْأَلوا
أَهْلَ

ص -17- الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وأنَّ بدعةَ القدرية
من أقبح البدع؛ وذلك لشدَّة قول ابن عمر فيها، وأنَّ المفتي عندما يذكر الحكم يذكر
معه دليله.
3 في حديث جبريل دليل على أنَّ الملائكةَ تأتي إلى البشر على شكل
البشر، ومثل ذلك ما جاء في القرآن من مجيء جبريل إلى مريم في صورة بشر، ومجيء
الملائكة إلى إبراهيم ولوط في صورة بشر، وهم يتحوَّلون بقدرة الله عزَّ وجلَّ عن
الهيئة التي خُلقوا عليها إلى هيئة البشر، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في خلق
الملائكة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ
الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي
الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}، وفي صحيح البخاري (4857)، ومسلم (280) أنَّ النَّبيَّ صلى
الله عليه وسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح.
4 في مجيء جبريل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجلوسه بين يديه بيان شيء من آداب طلبة العلم عند المعلِّم، وأنَّ
السائلَ لا يقتصر سؤاله على أمور يجهل حكمها، بل ينبغي له أن يسأل غيره وهو عالم
بالحكم ليسمع الحاضرون الجواب، ولهذا نسب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر
الحديث التعليم، حيث قال: "فإنَّه جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم"، والتعليم حاصل من
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأنَّه المباشر له، ومضاف إلى جبريل؛ لكونه المتسبِّب
فيه.
5 قوله: "قال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة،
وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً"، أجاب النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم جبريل عندما سأله عن الإسلام بالأمور

ص -18- الظاهرة،
وعندما سأله عن الإيمان، أجابه بالأمور الباطنة، ولفظَا الإسلام والإيمان من
الألفاظ التي إذا جُمع بينها في الذِّكر فُرِّق بينها في المعنى، وقد اجتمعا هنا،
ففُسِّر الإسلام بالأمور الظاهرة، وهي مناسبة لمعنى الإسلام، وهو الاستسلام
والانقيادُ لله تعالى، وفسِّر الإيمان بالأمور الباطنة، وهي المناسبة لمعناه، وهو
التصديق والإقرار، وإذا أُفرد أحدُهما عن الآخر شمل المعنيين جميعاً: الأمور
الظاهرة والباطنة، ومن مجيء الإسلام مفرداً قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ}، ومن مجيء الإيمان مفرداً قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَكْفُرْ
بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}،
ونظير ذلك كلمتَا الفقير والمسكين، والبر والتقوى وغير ذلك.
وأوَّل الأمور التي
فُسِّر بها الإسلام شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وشهادة أنَّ محمداً رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان متلازمتان، وهما لازمتان لكلِّ إنسيٍّ وجنيٍّ من
حين بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، فمَن لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم
كان من أصحاب النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي
أحدٌ من هذه الأمَّة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلاَّ كان
من أصحاب النار"رواه مسلم (240).
وشهادة أن لا إله إلاَّ الله معناها لا معبود
حقٌّ إلاَّ الله، وكلمة الإخلاص تشتمل على ركنين: نفي عام في أولها، وإثبات خاص في
آخرها، ففي أوَّلها نفي العبادة عن كلِّ من سوى الله، وفي آخرها إثبات العبادة لله
وحده لا شريك له، وخبر"لا"النافية للجنس تقديره"حق"، ولا

ص -19- يصلح أن
يُقدَّر"موجود"؛ لأنَّ الآلهة الباطلة موجودةٌ وكثيرة، وإنَّما المنفيُّ الألوهية
الحقَّة، فإنَّها منتفيَةٌ عن كلِّ من سوى الله، وثابتة لله وحده.
ومعنى شهادة
أنَّ محمداً رسول الله، أن يُحبَّ فوق محبَّة كلِّ محبوب من الخلق، وأن يُطاع في
كلِّ ما يأمر به، ويُنتهى عن كلِّ ما نهى عنه، وأن تُصدَّق أخباره كلُّها، سواء
كانت ماضيةً أو مستقبلةً أو موجودةً، وهي غير مشاهدة ولا معاينة، وأن يُعبد الله
طبقاً لِمَا جاء به من الحقِّ والهدى.
وإخلاصُ العمل لله واتّباع ما جاء به رسول
الله صلى الله عليه وسلم هما مقتضى شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول
الله، وكلُّ عمل يُتقرَّب به إلى الله لا بدَّ أن يكون خالصاً لله ومطابقاً لسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فُقد الإخلاصُ لم يُقبل العمل؛ لقول الله عزَّ
وجلَّ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً
مَنْثُوراً}، وقوله تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل
عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"رواه مسلم (2985)، وإذا فُقد الاتِّباع رُدَّ
العمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"رواه
البخاري (2697)، ومسلم (1718)، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو
رد"، وهذه الجملة أعمُّ من الأولى؛ لأنَّها تشمل مَن فعل البدعة وهو مُحدثٌ لها،
ومَن فعلَها متابعاً لغيره فيها.
وستأتي الإشارة إلى شيء مِمَّا يتعلَّق بالصلاة
والزكاة والصيام والحج في حديث ابن عمر: "بُني الإسلام على خمس"، وهو الحديث الذي
يلي هذا الحديث.

ص -20- 6 قوله: "قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدِّقه!"وجه
التعجُّب أنَّ الغالبَ على السائل كونه غير عالِم بالجواب، فهو يسأل ليصل إلى
الجواب، ومثله لا يقول للمسئول إذا أجابه: صدقتَ؛ لأنَّ السائلَ إذا صدَّق المسئول
دلَّ على أنَّ عنده جواباً من قبل، ولهذا تعجَّب الصحابةُ من هذا التصديق من هذا
السائل الغريب.
7 قوله: "قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمنَ بالله وملائكته
وكُتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، هذا الجواب مشتملٌ على أركان
الإيمان الستة، وأوَّل هذه الأركان الإيمان بالله، وهو أساس للإيمان بكلِّ ما يجب
الإيمان به، ولهذا أُضيف إليه الملائكة والكتب والرسل، ومَن لَم يؤمن بالله لا يؤمن
ببقيَّة الأركان، والإيمان بالله يشمل الإيمان بوجوده وربوبيَّته وألوهيَّته
وأسمائه وصفاته، وأنَّه سبحانه وتعالى متَّصفٌ بكلِّ كمال يليق به، منَزَّهٌ عن
كلِّ نقص، فيجب توحيده بربوبيَّته وألوهيَّته وأسمائه وصفاته.
وتوحيده
بربوبيَّته الإقرارُ بأنَّه واحد في أفعاله، لا شريك له فيها، كالخَلق والرَّزق
والإحياء والإماتة، وتدبير الأمور والتصرّف في الكون، وغير ذلك مِمَّا يتعلَّق
بربوبيَّته.
وتوحيد الألوهيَّة توحيده بأفعال العباد، كالدعاء والخوف والرَّجاء
والتوكُّل والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذَّبح والنَّذر، وغيرها من أنواع
العبادة التي يجب إفراده بها، فلا يُصرف منها شيء لغيره، ولو كان ملَكاً مقرَّباً
أو نبيًّا مرسَلاً، فضلاً عمَّن سواهما.
وأمَّا توحيد الأسماء والصفات، فهو
إثبات كلِّ ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات
على وجه يليق بكماله وجلاله،

ص -21- دون تكييف أو تمثيل، ودون تحريف أو
تأويل أو تعطيل، وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق به، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فجمع في هذه الآية بين الإثبات
والتنزيه، فالإثبات في قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} والتنزيه في قوله:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء}ٌ، فله سبحانه وتعالى سمع لا كالأسماع، وبصر لا كالأبصار،
وهكذا يُقال في كلِّ ما ثبت لله من الأسماء والصفات.
والإيمان بالملائكة
الإيمانُ بأنَّهم خَلقٌ من خلق الله، خُلقوا من نور، كما في صحيح مسلم (2996) أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خُلقت الملائكةُ من نور، وخُلق الجانُّ من مارج
من نار، وخُلق آدم مِمَّا وُصف لكم"، وهم ذوو أجنحة كما في الآية الأولى من سورة
فاطر، وجبريل له ستمائة جناح، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدَّم
قريباً، وهم خلقٌ كثيرٌ لا يعلم عددَهم إلاَّ الله عزَّ وجلَّ، ويدلُّ لذلك أنَّ
البيتَ المعمور وهو في السماء السابعة يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملَك لا يعودون
إليه، رواه البخاري (3207)، ومسلم (259)، وروى مسلم في صحيحه (2842) عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤتَى بجهنَّم يومئذ
لها سبعون ألف زمام، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملَك يجرُّونها".
والملائكةُ منهم
الموَكَّلون بالوحي، والموكَّلون بالقطر، والموكَّلون بالموت، والموكَّلون
بالأرحام، والموكَّلون بالجنَّة، والموكَّلون بالنار، والموكَّلون بغير ذلك،
وكلُّهم مستسلمون منقادون لأمر الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمَرون،
وقد سُمِّي منهم في الكتاب والسنة جبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك ومنكر ونكير،
والواجب الإيمان بمَن

ص -22- سُمِّي منهم ومَن لَم يسمَّ، والواجب أيضاً
الإيمان والتصديق بكلِّ ما جاء في الكتاب العزيز وصحَّت به السنَّة من أخبار عن
الملائكة.
والإيمانُ بالكتب التصديق والإقرار بكلِّ كتاب أنزله الله على رسول من
رسله، واعتقاد أنَّها حقٌّ، وأنَّها منَزَّلة غير مخلوقة، وأنَّها مشتملة على ما
فيه سعادة من أُنزلت إليهم، وأنَّ مَن أخذ بها سلم وظفر، ومن أعرض عنها خاب وخسر،
ومن هذه الكتب ما سُمِّي في القرآن، ومنها ما لم يُسمَّ، والذي سُمِّي منها في
القرآن التوراة والإنجيل والزبور وصُحف إبراهيم وموسى، وقد جاء ذكر صحف إبراهيم
وموسى في موضعين من القرآن، في سورتَي النجم والأعلى، وزبور داود جاء في القرآن في
موضعين، في النساء والإسراء، قال الله عزَّ وجلَّ فيهما: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ
زَبُورا}ً ، وأمَّا التوراة والإنجيل فقد جاء ذكرهما في كثير من سُوَر القرآن،
وأكثرهما ذكراً التوراة، فلَم يُذكر في القرآن رسول مثل ما ذُكر موسى، ولم يُذكر
فيه كتاب مثل ما ذُكر كتاب موسى، ويأتي ذكره بلفظ"التوراة"، و"الكتاب"، و"الفرقان"،
و"الضياء"، و"الذِّكر".
ومِمَّا يمتاز به القرآن على غيره من الكتب السابقة كونه
المعجزة الخالدة، وتكفُّل الله بحفظه، وسلامته من التحريف، ونزوله منجَّماً
مفرَّقاً.
والإيمانُ بالرُّسل التصديق والإقرارُ بأنَّ الله اصطفى من البشر
رسُلاً وأنبياء يهدون الناسَ إلى الحقِّ، ويُخرجونهم من الظلمات إلى النور، قال
الله عزَّ وجلَّ: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ
النَّاسِ}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:25 pm

ص -23- والجنُّ ليس فيهم رسُل، بل فيهم النُّذُر، كما قال الله
عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ
الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى
قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ
مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا
بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ
لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، فلم يذكروا رسلاً منهم، ولا
كتباً أنزلت عليهم، وإنَّما ذكروا الكتابين المنزلين على موسى ومحمد عليهما الصلاة
والسلام، ولم يأت ذكر الإنجيل مع أنَّه منَزَّلٌ من بعد موسى؛ وذلك أنَّ كثيراً من
الأحكام التي في الإنجيل قد جاءت في التوراة، قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات:
"ولم يذكروا عيسى؛ لأنَّ عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات
وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتمِّم لشريعة التوراة، فالعمدة هو
التوراة، فلهذا قالوا: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}
والرسلُ هم المكلَّفون
بإبلاغ شرائع أنزلت عليهم، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} والكتاب اسم جنس
يُراد به الكتب، والأنبياء هم الذين أوحي إليهم بأن يُبلِّغوا شريعة سابقة، كما قال
الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ
بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} الآية، وقد قام الرسل
والأنبياء بتبليغ ما أُمروا بتبليغه على التمام والكمال، كما قال الله عزَّ وجلَّ:
{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، وقال: {وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى

ص -24- إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا
قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} قال
الزهري: "من الله عزَّ وجلَّ الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ،
وعلينا التسليم"أورده البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قول الله عزَّ وجلَّ:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (13/503 مع الفتح).
والرسلُ منهم من
قُصَّ في القرآن، ومنهم من لم يُقصص، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَرُسُلاً قَدْ
قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} ، وقال
الله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ
قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، والذين قُصوا في
القرآن خمسة وعشرون، منهم ثمانية عشر جاء ذكرهم في سورة الأنعام في قوله
تعالى:.{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ
دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ
الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا
عَلَى الْعَالَمِينَ}
والسبعة الباقون: آدم، وإدريس، وهود، وصالح، وشعيب، وذو
الكفل، ومحمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين.
والإيمانُ باليوم الآخر
التصديقُ والإقرار بكلِّ ما جاء في الكتاب والسنَّة عن كلِّ ما يكون بعد الموت، وقد
جعل الله الدُّورَ دارين: دار

ص -25- الدنيا والدار الآخرة، والحدُّ الفاصل
بين هاتين الدارين الموت والنفخ في الصور الذي يحصل به موت مَن كان حيًّا في آخر
الدنيا، وكلُّ مَن مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والحياة
بعد الموت حياتان: حياة برزخية، وهي ما بين الموت والبعث، والحياة بعد الموت،
والحياة البرزخية لا يعلم حقيقتها إلاَّ الله، وهي تابعة للحياة بعد الموت؛ لأنَّ
في كلٍّ منهما الجزاء على الأعمال، وأهل السعادة منعمون في القبور بنعيم الجنَّة،
وأهل الشقاوة معذَّبون فيها بعذاب النار.
ويدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان
بالبعث والحشر والشفاعة والحوض والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك
مِمَّا جاء في الكتاب والسنَّة.
والإيمان بالقدر الإيمانُ بأنَّ الله قدَّر كلَّ
ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وله مراتب أربعة:
علم الله أزلاً بكلِّ ما هو
كائن.
وكتابته المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
ومشيئته كلّ
مقدَّر.
وخلق الله وإيجاده لكلِّ ما قدَّره طبقاً لِمَا علمه وكتبه
وشاءه.
فيجب الإيمانُ بهذه المراتب واعتقاد أنَّ كلَّ شيء شاءه الله لا بدَّ من
وجوده، وأنَّ كلَّ شيء لم يشأه الله لا يُمكن وجوده، وهذا معنى قوله صلى الله عليه
وسلم: "واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك"، وسيأتي في
الحديث التاسع عشر.

ص -26- 8 قوله: "فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبدَ الله
كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك"، الإحسان أعلى الدرجات، ودونه درجة
الإيمان، ودون ذلك درجة الإسلام، وكلُّ مؤمن مسلم، وكلُّ محسن مؤمن مسلم، وليس كلُّ
مسلم مؤمناً محسناً، ولهذا جاء في سورة الحجرات: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا
قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ
فِي قُلُوبِكُمْ} ، وجاء في هذا الحديث بيان علوِّ درجة الإحسان في قوله: "أن تعبد
الله كأنَّك تراه" أي: تعبدَه كأنَّك واقفٌ بين يديه تراه، ومَن كان كذلك فإنَّه
يأتي بالعبادة على التمام والكمال، وإن لَم يكن على هذه الحال فعليه أن يستشعر أنَّ
الله مطَّلعٌ عليه لا يخفى منه خافية، فيحذرَ أن يراه حيث نهاه، ويعمل على أن يراه
حيث أمرَه.
9 قوله: "قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من
السائل"، اختصَّ الله بعلم الساعة، فلا يعلم متى تقوم الساعة إلاَّ الله سبحانه
وتعالى، قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا
إِلاَّ هُو}، ومنها علم الساعة، ففي صحيح البخاري (4778) عن عبد الله بن عمر قال:
قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مفاتيحُ الغيب خمسة، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}"، وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ
مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا
بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}

ص -27- وجاء في
السنَّة أنَّ الساعةَ تقوم يوم الجمعة، أمَّا من أيِّ سنة؟ وفي أيِّ شهر من السنة؟
وفي أيِّ جمعة من الشهر؟ فلا يعلم ذلك إلاَّ الله، ففي سنن أبي داود (1046) عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة،
فيه خُلق آدم، وفيه أُهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة
إلاَّ وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس؛ شفقاً من الساعة إلاَّ
الجنّ والإنس" الحديث، وهو حديث صحيح رجاله رجال الكتب الستة، إلاَّ القعنبي فلم
يخرج له ابن ماجه.
وقوله: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"معناه أنَّ الخلق لا
يعلمون متى تقوم، وأنَّ أي سائل وأيَّ مسئول سواء في عدم العلم بها.
10 قوله:
"قال: فأخبرني عن أمَاراتِها؟ قال: أن تلدَ الأَمَةُ ربَّتَها، وأن ترى الحُفاةَ
العُراة العالة رِعاء الشاءِ يتطاولون في البُنيان"، أماراتها: علاماتها، وعلامات
الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات قريبة من قيامها، كخروج الشمس من مغربها، وخروج
الدجَّال، وخروج يأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء
وغيرها، وعلامات قبل ذلك، ومنها العلامتان المذكورتان في هذا الحديث.
ومعنى
قوله: "أن تلد الأَمَة ربَّتها" فُسِّر بأنَّه إشارة إلى كثرة الفتوحات وكثرة
السبي، وأن من المسْبيات مَن يطؤها سيِّدُها فتلد له، فتكون أمَّ ولد، ويكون ولدها
بمنزلة سيِّدها، وفسِّر بتغير الأحوال وحصول العقوق من الأولاد لآبائهم وأمَّهاتهم
وتسلُّطهم عليهم، حتى يكون الأولاد كأنَّهم سادة لآبائهم وأمَّهاتهم.

ص -28-
ومعنى قوله: "وأن ترى الحُفاةَ العُراة العالة رِعاء الشاءِ يتطاولون في البُنيان"
أنَّ الفقراء الذين يرعون الغنم ولا يجدون ما يَكتسون به تتغيَّر أحوالهم وينتقلون
إلى سكنى المدن ويتطاولون فيها بالبنيان، وهاتان العلامتان قد وقعتَا.
11 قوله:
"ثمَّ انطلق فلبث مليًّا ثم قال: يا عمر أتدري مَن السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم،
قال: فإنَّه جبريل أتاكم يعلِّمُكم دينَكم" معنى مليًّا: زماناً، فقد أخبر
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه عن السائل بأنَّه جبريل عقب انطلاقه، وجاء
أنَّه أخبر عمر بعد ثلاث، ولا تنافي بين ذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
أخبر الحاضرين ولم يكن عمر رضي الله عنه معهم، بل يكون انصرف من المجلس، واتَّفق له
أنَّه لقي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث فأخبره.
12 مِمَّا يُستفادُ من
الحديث:
1 أنَّ السائلَ كما يسأل للتعلُّم، فقد يسأل للتعليم، فيسأل مَن عنده
علم بشيء من أجل أن يسمع الحاضرون الجواب.
2 أنَّ الملائكةَ تتحوَّل عن
خِلقتِها، وتأتي بأشكال الآدميِّين، وليس في هذا دليل على جواز التمثيل الذي اشتهر
في هذا الزمان؛ فإنَّه نوعٌ من الكذب، وما حصل لجبريل فهو بإذن الله وقدرته.
3
بيان آداب المتعلِّم عند المعلِّم.
4 أنَّه عند اجتماع الإسلام والإيمان يُفسَّر
الإسلام بالأمور الظاهرة، والإيمان بالأمور الباطنة.
5 البدء بالأهمِّ فالأهمِّ؛
لأنَّه بُدىء بالشهادَتين في تفسير الإسلام، وبدىء بالإيمان بالله في تفسير
الإيمان.

ص -29- 6 أنَّ أركان الإسلام خمسة، وأنَّ أصولَ الإيمان ستة.
7
أنَّ الإيمان بأصول الإيمان الستة من جملة الإيمان بالغيب.
8 بيان التفاوت بين
الإسلام والإيمان والإحسان.
9 بيان علوِّ درجة الإحسان.
10 أنَّ علم الساعة
مِمَّا استأثر الله بعلمه.
11 بيان شيء من أمارات الساعة.
12 قول المسئول
لِمَا لا يعلم: الله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:25 pm

الحديث الثالث
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي
الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بُني الإسلام على خمس:
شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
وحجِّ البيت، وصوم رمضان" رواه البخاري ومسلم.
1 قوله: "بُني الإسلام على خمس":
فيه بيان عظم شأن هذه الخمس، وأنَّ الإسلام مبنيٌّ عليها، وهو تشبيه معنويٌّ
بالبناء الحسي، فكما أنَّ البنيان الحسي لا يقوم إلاَّ على أعمدته، فكذلك الإسلام
إنَّما يقوم على هذه الخمس، والاقتصار على هذه الخمس لكونها الأساس لغيرها، وما
سواها فإنَّه يكون تابعاً لها.
2 أورد النووي هذا الحديث بعد حديث جبريل وهو
مشتملٌ

ص -30- على هذه الخمس لِمَا اشتمل عليه هذا الحديث من بيان أهميَّة
هذه الخمس، وأنَّها الأساس الذي بُني عليه الإسلام، ففيه معنى زائد على ما جاء في
حديث جبريل.
3 هذه الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام، أولها الشهادتان،
وهما أسُّ الأسُس، وبقية الأركان وغيرها تابع لها، فلا تنفع هذه الأركان وغيرها من
الأعمال إذا لم تكن مبنيَّةً على هاتين الشهادتين، وهما متلازمتان، لا بدَّ من
شهادة أنَّ محمداً رسول الله مع شهادة أن لا إله إلاَّ الله، و مقتضى شهادة (أن لا
إله إلاَّ الله) ألاَّ يُعبد إلاَّ الله، ومقتضى شهادة "أنَّ محمداً رسول الله" أن
تكون العبادةُ وفقاً لِمَا جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذان أصلان لا
بدَّ منهما في قبول أيِّ عمل يعمله الإنسان، فلا بدَّ من تجريد الإخلاص لله وحده،
ولا بدَّ من تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 قال الحافظ في
الفتح (1/50): "فإن قيل: لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مِمَّا
تضمَّنه سؤال جبريل عليه السلام؟ أُجيبَ بأنَّ المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما
جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقدات، وقال الإسماعيلي ما محصله: هو من باب
تسمية الشيء ببعضه، كما تقول: قرأت الحمد، وتريد به جميع الفاتحة، وكذا تقول مثلاً:
شهدت برسالة محمد، وتريد جميع ما ذكر، والله أعلم".
5 أهمُّ أركان الإسلام
الخمسة بعد الشهادتين الصلاة، وقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنَّها
عمودُ الإسلام، كما في حديث وصيَّته صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، وهو الحديث
التاسع والعشرون من هذه الأربعين، وأخبر أنَّها

ص -31- آخر ما يُفقد من
الدِّين، وأوَّل ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة، انظر: السلسلة الصحيحة
للألباني (1739)، (1358)، (1748)، وأنَّ بها التمييز بين المسلم والكافر، رواه مسلم
(134)، وإقامتها تكون على حالتين: إحداهما واجبة، وهو أداؤها على أقلِّ ما يحصل به
فعل الواجب وتبرأ به الذِّمَّة، ومستحبَّة، وهو تكميلها وتتميمها بالإتيان بكلِّ ما
هو مستحبٌّ فيها.
6 الزكاة هي قرينة الصلاة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {َإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، وقال
تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ} وهي عبادةٌ مالية نفعها متعدٍّ، وقد أوجبها الله في أموال الأغنياء
على وجه ينفع الفقير ولا يضرُّ الغنيَّ؛ لأنَّها شيء يسير من مال كثير.
7 صومُ
رمضان عبادة بدنية، وهي سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، لا يطَّلع عليه إلاَّ الله
سبحانه وتعالى؛ لأنَّ من الناس مَن يكون في شهر رمضان مفطراً وغيرُه يظنُّ أنَّه
صائم، وقد يكون الإنسانُ صائماً في نفل وغيرُه يظنُّ أنَّه مُفطر، ولهذا ورد في
الحديث الصحيح أنَّ الإنسانَ يُجازَى على عمله، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة
ضعف، قال الله عزَّ وجلَّ: "إلاَّ الصوم فإنَّه لي، وأنا أجزي به"رواه البخاري
(1894)، ومسلم (164)، أي: بغير حساب، والأعمال كلُّها لله عزَّ وجلَّ، كما قال الله
عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ} ، وإنَّما

ص -32- خُصَّ الصوم في هذا الحديث بأنَّه لله
لِمَا فيه من خفاء هذه العبادة، وأنَّه لا يطَّلع عليها إلاَّ الله.
8 حجُّ بيت
الله الحرام عبادة ماليَّة بدنية، وقد أوجبها الله في العمر مرَّة واحدة، وبيَّن
النَّبيُّ فضلَها بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن حجَّ هذا البيتَ فلَم يرفث ولم
يفسق رجع كيوم ولدته أمُّه" رواه البخاري (1820)، ومسلم (1350)، وقوله صلى الله
عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفَّارة لِما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاء
إلاَّ الجنَّة" رواه مسلم (1349).
9 هذا الحديث بهذا اللفظ جاء فيه تقديم الحجِّ
على الصوم، وهو بهذا اللفظ أورده البخاري في أول كتاب الإيمان من صحيحه، وبنى عليه
ترتيب كتابه الجامع الصحيح، فقدَّم كتاب الحجِّ فيه على كتاب الصيام.
وقد ورد
الحديث في صحيح مسلم (19) بتقديم الصيام على الحجِّ، وتقديم الحجِّ على الصيام، وفي
الطريق الأولى تصريح ابن عمر بأنَّ الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
تقديم الصوم على الحجِّ، وعلى هذا يكون تقديم الحجِّ على الصوم في بعض الروايات من
قبيل تصرُّف بعض الرواة والرواية بالمعنى، وسياقه في صحيح مسلم عن ابن عمر عن
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "بُني الإسلام على خمسة: على أن يوحَّد الله،
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحجِّ، فقال رجل: الحج وصيام رمضان؟
قال: لا! صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
10
هذه الأركان الخمسة وردت في الحديث مرتَّبة حسب أهميَّتها، وبدىء فيها بالشهادتين
اللَّتين هما أساس لكلِّ عمل يُتقرَّب به إلى الله

ص -33- عزَّ وجلَّ، ثم
بالصلاة التي تتكرَّر في اليوم والليلة خمس مرَّات، فهي صلة وثيقة بين العبد وبين
ربِّه، ثم الزكاة التي تجب في المال إذا مضى عليه حَولٌ؛ لأنَّ نفعَها متعدٍّ، ثم
الصيام الذي يجب شهراً في السنة، وهو عبادة بدنيَّة نفعها غير متعدٍّ، ثم الحج الذي
لا يجب في العمر إلاَّ مرَّة واحدة.
11 ورد في صحيح مسلم أنَّ ابن عمر رضي الله
عنهما حدَّث بالحديث عندما سأله رجل، فقال له: ألا تغزو؟ ثم ساق الحديث، وفيه
الإشارة إلى أنَّ الجهاد ليس من أركان الإسلام، وذلك أنَّ هذه الخمس لازمة باستمرار
لكلِّ مكلَّف، بخلاف الجهاد، فإنَّه فرض كفاية ولا يكون في كلِّ وقت.
12 مِمَّا
يُستفاد من الحديث:
1 بيان أهميَّة هذه الخمس لكون الإسلام بُني عليها.
2
تشبيه الأمور المعنوية بالحسيَّة لتقريرها في الأذهان.
3 البدء بالأهمِّ
فالأهم.
4 أنَّ الشهادتين أساس في نفسهما، وهما أساس لغيرهما، فلا يُقبل عمل
إلاَّ إذا بُني عليهما.
5 تقديم الصلاة على غيرها من الأعمال؛ لأنَّها صلة وثيقة
بين العبد وبين ربّه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:26 pm

ص -34- الحديث الرابع
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي
اله تعالى عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق:
"إنَّ أحدَكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك،
ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملَك فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات:
بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره، إنَّ أحدكم ليعمل
بعمل أهل الجنَّة، حتى ما يكون بينه وبينها إلاَّ ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل
بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدَكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها
إلاَّ ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري
ومسلم.
1 قوله: "وهو الصادق المصدوق"معناه الصادق في قوله، المصدَّق فيما جاء به
من الوحي، وإنَّما قال ابن مسعود هذا القول؛ لأنَّ الحديث عن أمور الغيب التي لا
تُعرف إلاَّ عن طريق الوحي.
2 قوله: "يُجمع خلقه في بطن أمِّه"، قيل: يُجمع ماء
الرجل مع ماء المرأة في الرَّحم، فيُخلق منهما الإنسان، كما قال الله عزَّ وجلَّ:
{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}، وقال: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} والمراد بخلقه ما يكون منه خلق الإنسان، وقد
جاء في صحيح مسلم (1438): "ما من كلِّ المنيِّ يكون الولد".
3 في هذا الحديث ذكر
أطوار خلق الإنسان، وهي: أوَّلاً: النطفة، وهي الماء القليل، وثانياً: العلقة، وهي
دم غليظ متجمِّد، وثالثاً: المضغة،

ص -35- وهي القطعة من اللحم على قدر ما
يمضغه الآكل، وقد ذكر الله هذه الثلاث في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ
مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ} ومعنى {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} مصورة وغير مصوَّرة، وأكثر
ما جاء فيه بيان أطوار خلق الإنسان قول الله عزَّ وجلَّ في سورة المؤمنون:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ
نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ
لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ}
4 في الحديث أنَّه بعد مضيِّ هذه الأطوار الثلاثة وقدرها مائة
وعشرون يوماً تُنفخ فيه الروح، فيكون إنساناً حيًّا، وقبل ذلك هو ميت، وقد جاء في
القرآن الكريم أنَّ الإنسانَ له حياتان وموتتان، كما قال الله عزَّ وجلَّ عن
الكفَّار: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}
، فالموتة الأولى ما كان قبل نفخ الروح، والحياة الأولى من نفخ الروح إلى بلوغ
الأجل، والموتة الثانية من بعد الموت إلى البعث، وهذه الموتة لا تنافي الحياة
البرزخية الثابتة بالكتاب والسنة، والحياة الثانية الحياة بعد البعث، وهي حياة
دائمة ومستمرَّة إلى غير نهاية، وهذه الأحوال الأربع للإنسان بيَّنها الله بقوله:
{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنسان
لَكَفُورٌ}، وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً
فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
وإذا وُلد بعد نفخ الروح فيه ميتاً تجري عليه أحكام الولادة، من تغسيله والصلاة
عليه والخروج من العدة وكون الأمَة أم ولد، وكون أمِّه نفساء، وإذا سقط قبل ذلك فلا
تجري عليه هذه الأحكام.

ص -36- 5 بعد كتابة الملَك رزقه وأجله وذكر أو أنثى
وشقي أو سعيد، لا تكون معرفة الذكورة والأنوثة من علم الغيب الذي يختصُّ الله تعالى
به؛ لأنَّ الملَك قد علم ذلك، فيكون من الممكن معرفة كون الجنين ذكراً أو
أنثى.
6 أنَّ قدرَ الله سبق بكلِّ ما هو كائن، وأنَّ المعتبرَ في السعادة
والشقاوة ما يكون عليه الإنسان عند الموت.
7 أحوال الناس بالنسبة للبدايات
والنهايات أربع:
الأولى: مَن بدايتُه حسنة، ونهايته حسنة.
الثانية: مَن كانت
بدايتُه سيِّئة، ونهايتُه سيِّئة.
الثالثة: مَن كانت بدايتُه حسنة، ونهايته
سيِّئة، كالذي نشأ على طاعة الله، وقبل الموت ارتدَّ عن الإسلام ومات على
الردَّة.
الرابعة: مَن بدايتُه سيِّئة، ونهايتُه حسنة، كالسحرة الذين مع فرعون،
الذين آمنوا بربِّ هارون وموسى، وكاليهودي الذي يخدم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
وعاده النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مرضه، وعرض عليه الإسلام فأسلم، فقال
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذه من النار"، وهو في صحيح
البخاري (1356).
والحالتان الأخيرتان دلَّ عليهما هذا الحديث.
8 دلَّ الحديث
على أنَّ الإنسانَ يعمل العملَ الذي فيه سعادته أو شقاوته بمشيئته وإرادته، وأنَّه
بذلك لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مخيَّرٌ باعتبار أنَّه يعمل باختياره،
ومسيَّرٌ بمعنى أنَّه لا يحصل منه شيء لم يشأه الله، وقد دلَّ على الأمرين ما جاء
في هذا الحديث من أنَّه قبل

ص -37- الموت يسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل
الجنَّة أو يعمل بعمل أهل النار.
9 أنَّ الإنسانَ يجب أن يكون على خوف ورجاء؛
لأنَّ من الناس مَن يعمل الخير في حياته ثم يختم له بخاتمة السوء، وأنَّه لا ينبغي
له أن يقطع الرجاء؛ فإنَّ الإنسان قد يعمل بالمعاصي طويلاً، ثم يَمنُّ اللهُ عليه
بالهدى فيهتدي في آخر عمره.
10 قال النووي في شرح هذا الحديث: "فإن قيل: قال
الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ
أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}، ظاهر الآية أنَّ العملَ الصالح من المخلص يُقبل،
وإذا حصل القبول بوعد الكريم أمن مع ذلك من سوء الخاتمة، فالجواب من
وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك معلَّقاً على شروط القبول وحسن الخاتمة، ويُحتمل أن
من آمن وأخلص العمل لا يُختم له دائماً إلاَّ بخير.
ثانيهما: أنَّ خاتمة السوء
إنَّما تكون في حقِّ من أساء العمل أو خلطه بالعمل الصالح المشوب بنوع من الرياء
والسمعة، ويدلُّ عليه الحديث الآخر: "إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو
للناس"، أي فيما يظهر لهم من إصلاح ظاهره مع فساد سريرته وخبثها، والله تعالى
أعلم".
11 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 بيان أطوار خلق الإنسان في بطن
أمِّه.
2 أنَّ نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وبذلك يكون
إنساناً.

ص -38- 3 أنَّ من الملائكة مَن هو موَكَّل بالأرحام.
4 الإيمان
بالغيب.
5 الإيمان بالقدر، وأنَّه سبق في كلِّ ما هو كائن.
6 الحلف من غير
استحلاف لتأكيد الكلام.
7 أنَّ الأعمال بالخواتيم.
8 الجمع بين الخوف
والرجاء، وأنَّ على من أحسن أن يخاف سوء الخاتمة، وأنَّ مَن أساء لا يقنط من رحمة
الله.
9 أنَّ الأعمالَ سببُ دخول الجنة أو النار.
10 أنَّ مَن كُتب شقيًّا لا
يُعلم حاله في الدنيا، وكذا عكسه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:27 pm

الحديث الخامس
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو
ردٌّ" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو
ردٌّ".
1 هذا الحديث أصل في وزن الأعمال الظاهرة، وأنَّه لا يُعتدُّ بها إلاَّ
إذا كانت موافقة للشرع، كما أنَّ حديث"إنَّما الأعمال بالنيات" أصلٌ في الأعمال
الباطنة، وأنَّ كلّ عملٍ يتقرّب فيه إلى الله لا بدَّ أن يكون خالصاً لله، وأن يكون
معتبراً بنيّته.

ص -39- 2 إذا فُعلت العبادات كالوضوء والغسل من الجنابة
والصلاة وغير ذلك، إذا فُعلت على خلاف الشرع فإنَّها تكون مردودة على صاحبها غير
معتبرة، وأنَّ المأخوذ بالعقد الفاسد يجب ردّه على صاحبه ولا يُملك، ويدلُّ لذلك
قصةُ العسيف الذي قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبيه: "أمَّا الوليدة والغنم
فردٌّ عليك" رواه البخاري (2695) ومسلم (1697).
3 ويدلُّ الحديثُ على أنَّ من
ابتدع بدعة ليس لها أصل في الشرع فهي مردودة، وصاحبها مستحق للوعيد، فقد قال
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في المدينة: "من أحدث فيها حدَثاً أو آوى محدثاً
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" رواه البخاري (1870) ومسلم (1366).
4
الرواية الثانية التي عند مسلم أعمّ من الرواية التي في الصحيحين؛ لأنّها تشمل من
عمل البدعة، سواء كان هو المحدث لها أو مسبوقاً إلى إحداثها وتابع من أحدثها.
5
معنى قوله في الحديث: "ردّ" أي مردودٌ عليه، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم
المفعول، مثل: خَلْق بمعنى مخلوق، ونَسْخ بمعنى منسوخ، والمعنى: فهو باطل غير معتد
به.
6 لا يدخل تحت الحديث ما كان من المصالح في حفظ الدين، أو موصلاً إلى فهمه
ومعرفته، كجمع القرآن في المصاحف، وتدوين علوم اللغة والنحو، وغير ذلك.
7 الحديث
يدلّ بإطلاقه على ردِّ كلِّ عملٍ مخالفٍ للشرع، ولو كان قصدُ صاحبه حسناً، ويدل
عليه قصّة الصحابي الذي ذبح أضحيته قبل صلاة العيد، وقال له النَّبيُّ صلى الله
عليه وسلم: "شاتُك شاة لحم" رواه البخاري (955) ومسلم (1961).

ص -40- 8 هذا
الحديث يدل بمنطوقه على أنَّ كلَّ عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه
على أنَّ كلَّ عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمعنى أنَّ من كان عمله جارياً تحت
أحكام الشرع موافقاً لها فهو مقبول، ومن كان خارجاً عن ذلك فهو مردود.
9 مِمَّا
يُستفاد من الحديث:
1 تحريم الابتداع في الدين.
2 أنَّ العمل المبني على بدعة
مردود على صاحبه.
3 أنَّ النهي يقتضي الفساد.
4 أنَّ العمل الصالح إذا أُتي
به على غير الوجه المشروع، كالتنفل في وقت النهي بغير سبب، وصيام يوم العيد، ونحو
ذلك، فإنَّه باطل لا يُعتدُّ به.
5 أنَّ حكم الحاكم لا يُغيّر ما في باطن الأمر؛
لقوله: "ليس عليه أمرنا".
6 أنَّ الصلح الفاسد باطل، والمأخوذ عليه مستحق الرد،
كما في حديث العسيف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:27 pm

ص -41- الحديث السادس
عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله
عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إنَّ الحلالَ بيِّن،
وإنَّ الحرامَ بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَن
اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام،
كالراعي يرعى حول الحِمَى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكلِّ ملِك حِمى، ألا وإنَّ
حِمى الله محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مُضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت
فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب" رواه البخاري ومسلم.
1 قوله: "إنَّ الحلالَ
بيِّن، وإنَّ الحرامَ بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس"،
فيه تقسيم الأشياء إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الحلالُ البيِّن، كالحبوب والثمار
وبهيمة الأنعام، إذا لم تصل إلى الإنسان بطريق الحرام.
الثاني: الحرامُ البيِّن،
كشرب الخمر وأكل الميتة ونكاح ذوات المحارم، وهذان يعلمهما الخاصُ
والعام.
الثالث: المشتبهات المتردِّدة بين الحلِّ والحرمة، فليست من الحلال
البيِّن ولا من الحرام البيِّن، وهذه لا يعلمها كثير من الناس، ويعلمها
بعضُهم.
2 قوله: "فمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في
الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يوشك أن

ص -42- يرتع فيه،
ألا وإنَّ لكلِّ ملِك حِمى، ألا وإنَّ حِمى الله محارمه"، هذا يرجع إلى القسم
الثالث، وهو المشتبهات، فيتجنَّبها الإنسانُ، وفي ذلك السلامة لدينه فيما بينه وبين
الله، والسلامة لعرضه فيما بينه وبين الناس، فلا يكون لهم سبيل إلى النَّيل من عرضه
بسبب ذلك، وإذا تساهل في الوقوع في المشتبهات قد يجرُّه ذلك إلى الوقوع في
المحرَّمات الواضحات، وقد ضرب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لذلك المثل بالراعي
يرعى حول الحِمى، فإنَّه إذا كان بعيداً من الحمى سلم من وقوع ماشيته في الحمى،
وإذا كان قريباً منه أوشك أن تقع ماشيته فيه وهو لا يشعر.
والمراد بالحمى ما
يحميه الملوك وغيرُهم من الأراضي المخصبة، ويَمنعون غيرَهم من قربها، فالذي يرعى
حولها يوشك أن يقع فيها، فيعرض نفسه للعقوبة، وحِمى الله عزَّ وجلَّ المحارم التي
حرَّمها، فيجب على المرء الابتعاد عنها، وعليه أن يبتعد عن المشتبهات التي قد
تؤدِّي إليها.
3 قوله: "ألاَ وإنَّ في الجسد مُضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه،
وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"، المضغة: القطعة من اللحم على قدر ما
يمضغه الآكل، وفي هذا بيان عظم شأن القلب في الجسد، وأنَّه ملك الأعضاء، وأنَّها
تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.
4 قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (فمَن وقع
في الشبهات وقع في الحرام) يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يقع في الحرام وهو يظنُّ
أنَّه ليس بحرام.
والثاني: أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام، وكما
قال:

ص -43- المعاصي بريد الكفر؛ لأنَّ النفسَ إذا وقعت في المخالفة تدرَّجت
من مفسدة إلى أخرى أكبر منها، قيل: وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ
الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}، يريد
أنَّهم تدرَّجوا بالمعاصي إلى قتل الأنبياء، وفي الحديث: "لعن الله السارق يسرق
البيضة فتُقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده"، أي: يتدرَّج من البيضة والحبل إلى
السرقة".
5 النعمان بن بشير رضي الله عنهما من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنوات، وقد قال في روايته هذا الحديث: "سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول"، وهو يدلُّ على صحَّة تحمُّل الصغير المميِّز، وأنَّ
ما تحمَّله في حال صغره، وأدَّاه في حال كبره، فهو مقبول، ومثله الكافر إذا تحمَّل
في حال كفره، وأدَّى في حال إسلامه.
6 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 بيان
تقسيم الأشياء في الشريعة إلى حلال بيِّن، وحرام بيِّن، ومشتبه متردّد بينهما.
2
أنَّ المشتبه لا يعلمه كثير من الناس، وأنَّ بعضَهم يعلم حكمَه بدليله.
3 ترك
إتيان المشتبه حتى يُعلم حلُّه.
4 ضرب الأمثال لتقرير المعاني المعنوية بتشبيهها
بالحسيَّة.
5 أنَّ الإنسانَ إذا وقع في الأمور المشتبهة هان عليه أن يقع في
الأمور الواضحة.

ص -44- 6 بيان عظم شأن القلب، وأنَّ الأعضاءَ تابعةٌ له،
تصلح بصلاحه وتفسد بفساده.
7 أنَّ فسادَ الظاهر دليلٌ على فساد الباطن.
8
أنَّ في اتِّقاء الشبهات محافظة الإنسان على دينه من النقص، وعرضه من العيب
والثلب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:28 pm

الحديث السابع
عن أبي رقية تَميم بن أوس الداري رضي الله عنه أنَّ
النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الدِّينُ النصيحة، قلنا: لِمَن؟ قال: لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم"رواه مسلم.
1 قوله: "الدِّين
النصيحة"، هذه كلمة جامعة تدلُّ على أهميَّة النصيحة في الدِّين، وأنَّها أساسه
وعماده، ويدخل تحتها ما جاء في حديث جبريل من تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم
الإسلام والإيمان والإحسان، وأنَّه سمَّى ذلك ديناً، وقال: "هذا جبريل أتاكم
يعلِّمكم دينكم"، ويشبه هذه الجملة قوله صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ عرفة"؛ وذلك
لأنَّه الركن الأعظم في الحجِّ، الذي يفوت الحجُّ بفواته.
2 جاء في مستخرج أبي
عوانة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كرَّر هذه الجملة: "الدِّين النصيحة"
ثلاثاً، وهي في صحيح مسلم بدون تكرار، ولَمَّا سمع الصحابة هذه العناية والاهتمام
بالنصيحة، وأنَّها بهذه المنزلة

ص -45- العظيمة، قالوا: لِمَن يا رسول الله؟
فأجابهم بالخمس المذكورة في الحديث، وقد جاء عن جماعة من أهل العلم تفسير هذه
الخمس، ومن أحسن ذلك ما جاء عن أبي عمرو بن الصلاح في كتابه صيانة صحيح مسلم من
الإخلال والغلط، وحمايته من الإسقاط والسَّقط، قال (ص:223 224): "والنصيحة كلمةٌ
جامعةٌ تتضمَّن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادةً وفعلاً، فالنصيحة لله
تبارك وتعالى: توحيدُه ووصفه بصفات الكمال والجلال جمع، وتنزيهه عمَّا يُضادُّها
ويخالفها، وتجنُّب معاصيه، والقيام بطاعاته ومَحابِّه بوصف الإخلاص، والحبِّ فيه
والبغض فيه، وجهاد مَن كَفَرَ به تعالى، وما ضاهى ذلك، والدعاء إلى ذلك والحثِّ
عليه، والنصيحة لكتابه: الإيمانُ به وتعظيمه وتنزيهه، وتلاوته حقَّ تلاوته، والوقوف
مع أوامره ونواهيه، وتفهُّم علومه وأمثاله، وتدبُّر آياته والدعاء إليه، وذبُّ
تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه، والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم قريب من ذلك:
الإيمانُ به وبما جاء به، وتوقيره وتبجيله، والتمسُّك بطاعته، وإحياء سنَّته،
واستشارة "كذا وفيما نقله عنه ابن رجب: استثارة" علومها ونشرها، ومعاداة مَن عاداه
وعاداها، وموالاة من والاه ووالاها، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه، ومحبةُ
آله وصحابته ونحو ذلك، والنصيحة لأئمة المسلمين، أي لخلفائهم وقادتهم: معاونتُهم
على الحقِّ وطاعتُهم فيه، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، ومجانبة الخروج عليهم،
والدعاءُ لهم بالتوفيق، وحثُّ الأغيار على ذلك، والنصيحة لعامة المسلمين، وهم ها
هنا مَن عدا أولى الأمر منهم: إرشادُهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم

ص
-46- ودنياهم، وستر عوراتهم، وسدُّ خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذَّبُّ عنهم،
ومجانبة الغِش والحسد لهم، وأن يُحبَّ لهم ما يُحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه
لنفسه، وما شابه ذلك".
3 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 بيان عظم شأن النصيحة
وعظيم منزلتها من الدِّين.
2 بيان لِمَن تكون النصيحة.
3 الحثُّ على النصيحة
في الخمس المذكورة في الحديث.
4 حرص الصحابة على معرفة أمور الدِّين، وذلك
بسؤالهم لِمَن تكون النصيحة.
5 أنَّ الدِّينَ يُطلق على العمل؛ لكونه سمَّى
النصيحة ديناً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:29 pm

الحديث الثامن
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ رسول الله
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلاَّ الله، وأنَّ محمداً رسول الله، ويُقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا
ذلك عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلاَّ بحقِّ الإسلام، وحسابُهم على الله تعالى"
رواه البخاري ومسلم.
1 قوله: "أُمرت" الآمرُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو
الله؛ لأنَّه لا آمر له غيره، وإذا قال الصحابي: أُمرنا بكذا، أو نُهينا عن كذا،
فالآمر والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص -47- 2 لَمَّا توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستُخلف أبو بكر رضي الله عنه، وارتدَّ مَن ارتدَّ
من العرب، وامتنع مَن امتنع من دفع الزكاة، عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم؛
بناءً على أنَّ من حقِّ الشهادتين أداء الزكاة، ولم يكن عنده الحديث بإضافة الصلاة
والزكاة إلى الشهادتين، كما في هذا الحديث، فناظره عمر في ذلك، وجاءت المناظرة
بينهما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم (20)، قال: "لَمَّا توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، واستُخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي
بكر: كيف تقاتل الناسَ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله، فمن قال لا إله إلاَّ الله فقد عصم منِّي
مالَه ونفسه إلاَّ بحقِّه، وحسابهم على الله تعالى"، فقال أبو بكر: والله!
لأقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حقُّ المال، والله! لو
مَنَعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على
منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله! ما هو إلاَّ أن رأيت الله عزَّ وجلَّ قد شرح صدر
أبي بكر للقتال، فعرفت أنَّه الحقُّ".
قال الحافظ في الفتح (1/76): "وقد استبعد
قومٌ صحته بأنَّ الحديثَ لو كان عند ابن عمر لَمَا ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال
مانعي الزكاة، ولو كانوا يعرفونه لَما كان أبو بكر يُقرُّ عمر على الاستدلال بقوله
عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله" وينتقل
عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس؛ إذ قال: لأقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة
والزكاة؛ لأنَّها قرينتُها في كتاب الله، والجواب: أنَّه لا يلزم من كون الحديث
المذكور عند ابن عمر أن يكون استحضره في تلك الحالة، ولو كان مستحضراً له فقد يحتمل
أن لا يكون حَضَر

ص -48- المناظرةَ المذكورة، ولا يمتنع أن يكون ذكرَه لهما
بعد، ولَم يستدلَّ أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل أخذه أيضاً من
قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه: "إلاَّ بحقِّ الإسلام"، قال أبو
بكر: والزكاة حقُّ الإسلام، ولَم ينفرد ابن عمر بالحديث المذكور، بل رواه أبو هريرة
أيضاً بزيادة الصلاة والزكاة فيه، كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب
الزكاة، وفي القصَّة دليلٌ على أنَّ السنَّةَ قد تخفي على بعض أكابر الصحابة
ويطَّلع عليها آحادُهم، ولهذا لا يُلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها،
ولا يقال كيف خَفي ذا على فلان، والله الموفق".
3 يُستثنى من عموم مقاتلة الناس
حتى الإتيان بما ذكِر في الحديث: أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية لدلالة القرآن،
وغيرهم إذا دفعها لدلالة السنَّة على ذلك، كما في حديث بريدة بن الحُصيب الطويل في
صحيح مسلم (1731)، وأوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على
جيش أو سريَّة أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومَن معه من المسلمين خيراً
.."الحديث.
4 يكفي للدخول في الإسلام الشهادتان، وهما أوَّل واجب على المكلَّف،
ولا التفات لأقوال المتكلِّمين في الاعتماد على أمور أخرى، كالنَّظر أو القصد إلى
النظر، قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: "وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين
والجماهير من السلف والخلف أنَّ الإنسانَ إذا اعتقد دين الإسلام اعتقاداً جازماً،
لا تردُّد فيه كفاه ذلك، ولا يجب عليه تعلُّم أدلَّة المتكلِّمين ومعرفة الله
بها".

ص -49- 5 المقاتلة على منع الزكاة تكون لِمَن امتنع منها وقاتل عليها،
أمَّا إذا لم يقاتل فإنَّها تؤخذ منه قهراً.
6 قوله: "وحسابهم على الله"، أي:
أنَّ مَن أظهر الإسلامَ وأتى بالشهادتين فإنَّه يُعصم ماله ودمه، فإن كان صادقاً
ظاهراً وباطناً نفعه ذلك عند الله، وإن كان الباطن خلاف الظاهر وكان أظهر ذلك
نفاقاً، فهو من أهل الدَّرك الأسفل من النار.
7 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1
الأمر بالمقاتلة إلى حصول الشهادتين والصلاة والزكاة.
2 إطلاق الفعل على القول؛
لقوله: "فإذا فعلوا ذلك"، ومِمَّا ذكِر قبله الشهادتان وهما قول.
3 إثبات الحساب
على الأعمال يوم القيامة.
4 أنَّ مَن امتنع عن دفع الزكاة قوتل على منعها حتَّى
يؤدِّيها.
5 أنَّ مَن أظهر الإسلامَ قُبل منه، ووُكل أمر باطنه إلى الله.
6
التلازم بين الشهادتين وأنَّه لا بدَّ منهما معاً.
7 بيان عظم شأن الصلاة
والزكاة، والصلاة حق البدن، والزكاة حقُّ المال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:29 pm

ص -50- الحديث التاسع
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله
تعالى عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما نهيتُكم عنه
فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم كثرة
سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" رواه البخاري ومسلم.
1 اتَّفق الشيخان على إخراج
هذا الحديث، وهو بهذا اللفظ عند مسلم في كتاب الفضائل (1737)، وقد جاء بيان سبب
الحديث عنده في كتاب الحج (1337) عن أبي هريرة قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: أيُّها الناس! قد فرض الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا، فقال رجل: أكلَّ عام
يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت
نعم لوجبت، ولَمَا استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتُكم؛ فإنَّما هلك مَن كان قبلكم
بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا
نهيتُكم عن شيء فدعوه".
2 قوله: "ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا
منه ما استطعتم" فيه تقييد امتثال الأمر بالاستطاعة دون النهي؛ وذلك أنَّ النهيَ من
باب التروك، وهي مستطاعة، فالإنسانُ مستطيعٌ ألاَّ يفعل، وأمَّا الأمر فقد قُيِّد
بالاستطاعة؛ لأنَّه تكليف بفعل، فقد يستطاع ذلك الفعل، وقد لا يُستطاع، فالمأمور
يأتي بالمأمور به حسب استطاعته، فمثلاً لَمَّا نهي عن شرب الخمر، والمنهي مستطيع
عدم شربها، والصلاة مأمور بها، وهو يصليها على حسب استطاعته من قيام وإلاَّ فعن
جلوس، وإلاَّ فهو مضطجع، ومِمَّا يوضحه في الحسيَّات ما لو قيل لإنسان: لا
تدخل

ص -51- من هذا الباب، فإنَّه مستطيع ألاَّ يدخل؛ لأنَّه ترك، ولو قيل
له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع حملها وقد لا يستطيع؛ لأنَّه فعل.
3 ترك
المنهيات باق على عمومه، ولا يُستثنى منه إلاَّ ما تدعو الضرورة إليه، كأكل الميتة
لحفظ النفس، ودفع الغصَّة بشرب قليل من الخمر.
4 النهي الذي يجب اجتنابه ما كان
للتحريم، وما كان للكراهة يجوز فعله، وتركه أولى من فعله.
5 المأمور به يأتي به
المكلَّف على قدر طاقته، لا يكلِّف الله نفساً إلاَّ وسعها، فإذا كان لا يستطيع
الإتيان بالفعل على الهيئة الكاملة، أتى به على ما دونها، فإذا لم يستطع أن يصلي
قائماً صلَّى جالساً، وإذا لم يستطع الإتيان بالواجب كاملاً أتى بما يقدر عليه منه،
فإذا لَم يكن عنده من الماء ما يكفي للوضوء توضَّأ بما عنده وتيَمَّم للباقي، وإذا
لم يستطع إخراج صاع لزكاة الفطر، وقدر على إخراج بعضه أخرجه.
6 قوله: "فإنَّما
أهلك مَن كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" المنهيُّ عنه في الحديث ما
كان من المسائل قي زمنه يترتَّب عليه تحريم شيء على الناس بسبب مسألته، وما يترتَّب
عليه إيجاب شيء فيه مشقَّة كبيرة وقد لا يُستطاع، كالحجِّ كلَّ عام، والمنهيُّ عنه
بعد زمنه ما كان فيه تكلُّف وتنطُّع واشتغال به عمَّا هو أهم منه.
7 قال ابن رجب
في جامع العلوم والحكم (1/248 249): "وقد انقسم الناس في هذا الباب أقساماً: فمِن
أتباع أهل الحديث مَن سَدَّ بابَ المسائل حتى قلَّ فقهُه وعلمُه بحدود ما أنزل الله
على رسوله،

ص -52- وصار حاملَ فقه غيرَ فقيه، ومِن فقهاء أهل الرأي مَن
توسَّعَ في توليد المسائل قبل وقوعها، ما يقع في العادة منها وما لا يقع، واشتغلوا
بتكلُّف الجواب عن ذلك وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه، حتى يتولَّد من ذلك
افتراقُ القلوب ويستقرَّ فيها بسببه الأهواءُ والشحناء والعداوة والبغضاء، ويقترن
ذلك كثيراً بنيَّة المغالبة وطلب العلوِّ والمباهاة وصرف وجوه الناس، وهذا مِمَّا
ذمَّه العلماءُ الربَّانيُّون، ودلَّت السنَّةُ على قُبحه وتَحريمه، وأما فقهاءُ
أهل الحديث العاملون به، فإنَّ معظمَ همِّهم البحث عن معاني كتاب الله عزَّ وجلَّ
وما يفسِّره من السنن الصحيحة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنَّة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها وتفهُّمها والوقوف
على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من
التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك،
وهذا هو طريقة الإمام أحمد ومَن وافقه مِن علماء الحديث الربانيِّين، وفي معرفة هذا
شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغل بما أحدث من الرأي مِمَّا لا ينتفع به ولا يقع، وإنَّما
يورثُ التَّجادلُ فيه الخصومات والجدال، وكثرة القيل والقال، وكان الإمام أحمد
كثيراً إذا سُئل عن شيء من المسائل المولَّدات التي لا تقع يقول: دعونا من هذه
المسائل المحدثة".
إلى أن قال: "ومَن سلك طريقة طلب العلم على ما ذكرناه تَمكَّن
من فهم جواب الحوادث الواقعة غالباً؛ لأنَّ أصولَها توجد في تلك الأصول المشار
إليها، ولا بدَّ أن يكون سلوكُ هذا الطريق خلف أئمة أهله المجمع على هدايتهم
ودرايتهم، كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ومَن سلك مسلكهم، فإنَّ مَن ادَّعى سلوك
هذا الطريق على غير

ص -53- طريقهم وقع في مفاوز ومهالك، وأخذ بما لا يجوز
الأخذُ به، وترك ما يجبُ العملُ به، وملاك الأمر كلِّه أن يقصد بذلك وجهَ الله
والتقرُّبَ إليه، بمعرفة ما أنزل على رسوله، وسلوك طريقه والعمل بذلك ودعاء الخلق
إليه، ومَن كان كذلك وفَّقه الله وسدَّده وألْهَمَه رشدَه وعلَّمه ما لَم يكن يعلم،
وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى: {ِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ومن الراسخين في العلم".
إلى أن قال: "وفي الجملة فمَن
امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وانتهى عمَّا نهى عنه،
وكان مشتغلاً بذلك عن غيره، حصل له النجاةُ في الدنيا والآخرة، ومَن خالف ذلك،
واشتغل بخواطره وما يستحسنه، وقع فيما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال
أهل الكتاب الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، وعدم انقيادهم
وطاعتهم لرسلهم".
8 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 وجوب ترك كلِّ ما حرَّمه
الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 وجوب الإتيان بكلِّ ما أوجبه الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم.
3 التحذير من الوقوع فيما وقع فيه أهل الكتاب مِمَّا كان
سبباً في هلاكهم.
4 أنَّه لا يجب على الإنسان أكثر مِمَّا يستطيع.
5 أنَّ مَن
عجز عن بعض المأمور كفاه أن يأتي بما قدر عليه منه.
6 الاقتصار في المسائل على
ما يُحتاج إليه، وترك التنطُّع والتكلُّف في المسائل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:30 pm

ص -54- الحديث العاشر
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله تعالى طيِّب لا يقبل إلاَّ طيِّباً،
وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ
كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرَّجل يطيل
السفر، أشعث أغبر، يَمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُه حرام،
ومشربُه حرام، وملبسُه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له"رواه مسلم.
1
قوله: "إنَّ الله تعالى طيِّب لا يقبل إلاَّ طيِّباً" يدلُّ على أنَّ من أسماء الله
الطيِّب، ويقبل من الأعمال ما كان موصوفاً بالطِّيب، وهو عام في جميع الأعمال،
ومنها الكسب، فلا يعمل المرء إلاَّ صالحاً، ولا يكتسب إلاَّ طيِّباً، ولا ينفق
إلاَّ من الطيِّب.
2 قوله: "وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين،
فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}،
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ}"في الآيتين أمر المرسَلين والمرسَل إليهم بالأكل من الطيِّبات، وكما
أنَّ المرسَلين لا يأكلون إلاَّ الطيِّب، فإنَّ على أتباعهم ألاَّ يأكلوا إلاَّ
طيِّباً.
3 قوله: "ثم ذكر الرَّجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يَمدُّ يديه إلى
السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وملبسُه حرام، وغُذي
بالحرام، فأنَّى يُستجاب له"، لَمَّا بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الله
لا يقبل إلاَّ طيِّباً، وأنَّ المرسلين والمؤمنين أُمروا بالأكل من الطيِّبات،
بيَّن أنَّ من

ص -55- الناس مَن يخالف هذا المسلك، فلا يكون أكله طيِّباً،
بل يعمد إلى اكتساب الحرام واستعماله في جميع شؤونه من مأكل وملبس وغذاء، وأنَّ ذلك
من أسباب عدم قبول دعائه، مع كونه أتى بأسباب قبول الدعاء، وهي في هذا الحديث
أربعة: السفر مع إطالته، وكونه أشعث أغبر، وكونه يَمدُّ يديه بالدعاء، وكونه ينادي
الله بربوبيَّته، مع إلحاحه على ربِّه بتكرار ذلك، ومعنى قوله: "فأنَّى يُستجاب
لذلك"استبعاد حصول الإجابة لوجود الأسباب المانعة من قبول الدعاء.
4 مِمَّا
يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ من أسماء الله الطيِّب، ومعناه المنَزَّه عن النقائص،
وأنَّ من صفاته الطيب؛ لأنَّ أسماء الله كلَّها مشتقَّة، وتدلُّ على صفات مشتقَّة
منها.
2 أنَّ على المسلم أن يأتي بالطيب من الأعمال والمكاسب.
3 أنَّ الصدقة
لا تُقبل إلاَّ من مال حلال، وقد ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:
"لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول"رواه مسلم (224).
4 تفضُّل الله
على عباده بالنِّعم، وأمْرهم بأن يأكلوا من الطيبات.
5 أنَّ أكل الحرام من أسباب
عدم قبول الدعاء.
6 أنَّ من أسباب قبول الدعاء السفر، وكون الداعي أشعث
أغبر.
7 أنَّ من أسباب قبوله أيضاً رفع اليدين بالدعاء.
8 أنَّ من أسبابه
أيضاً التوسل بالأسماء.
9 أنَّ من أسبابه الإلحاح على الله فيه.

جمع الفقير إلى الله جل و علا :
أبو حارثة الأثري اليمني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:31 pm

يتببببع.......................الجزء الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -1-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منابـــر أهل الحديث والأثــر :: المنبر الاسلامي :: منبرالاحاديث النبوية-
انتقل الى: