منابـــر أهل الحديث والأثــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اتباع أهل الحديث والأثر في فهم النصوص
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:41 pm

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هذا الجزء الثالث من فتح القوي المتين في شر الأربعين و تتمة الخمسين للنووي و ابن رجب

الحديث الواحد والعشرون
عن أبي عَمرو وقيل أبي عَمرة سفيان بن عبد
الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قُل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه
أحداً غيرك؟ قال: "قل آمنتُ بالله، ثم استقم" رواه مسلم.
1 أصحابُ رسول الله صلى
الله عليه وسلم أشدُّ الناس حرصاً على معرفة الدِّين، وهم أسبقُ إلى كلِّ خير، وهذا
السؤال من سفيان بن عبد الله رضي الله عنه واضحٌ في ذلك؛ إذ سأل النَّبيَّ صلى الله
عليه وسلم هذا السؤال العظيم، الذي يريد جوابه جامعاً واضحاً لا يحتاج فيه إلى أحد
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 أجاب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا
الصحابيَّ بجواب قليل اللفظ واسع المعنى، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم،
فقال: "قل آمنتُ بالله، ثم استقم"، فأمره

ص -76- أن ينطق بلسانه بإيمانه
بالله الشامل للإيمان به سبحانه وتعالى، وبما جاء عنه في كتابه وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، فيدخل في ذلك الأمور الباطنة والأمور الظاهرة؛ لأنَّ الإيمانَ والإسلامَ
من الألفاظ التي إذا جُمع بينها في الذِّكر قُسِّم المعنى بينهما، وصار للإيمان
الأمورُ الباطنة، وللإسلام الأمورُ الظاهرة، وإذا أُفرد أحدُهما عن الآخر كما هنا
شمل الأمورَ الباطنة والظاهرة، وبعد إيمانه ويقينه وثباته أُمر بالاستقامة على هذا
الحقِّ والهُدى والاستمرار على ذلك، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، أي: دوموا على طاعة الله وطاعة رسوله، حتى إذا وافاكم
الأجل يوافيكم وأنتم على حال حسنة، وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ في كتابه ثواب مَن
آمن واستقام، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}، وقال:.{إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ}
3 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 حرص الصحابة على السؤال
عن أمور دينهم.
2 حُسن السؤال من سفيان بن عبد الله الدَّال على كمال عقله
ورغبته في الوصية الجامعة.
3 الإيمانُ بالله وبما جاء في كتابه وسنَّة رسوله صلى
الله عليه وسلم.
4 ملازمة الاستقامة على الحقِّ والهدى حتى بلوغ
الأجل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:42 pm

ص -77- الحديث الثاني والعشرون
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله
الأنصاريِّ رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
"أرأيتَ إذا صلَّيتُ المكتوبات، وصُمتُ رمضان، وأحللتُ الحلال، وحرَّمتُ الحرامَ،
ولَم أزد على ذلك شيئاً، أدخل الجنَّة؟ قال: نعم" رواه مسلم، ومعنى حرَّمت الحرام:
اجتنبته، ومعنى أحللت الحلال: فعلته معتقداً حلَّه.
1 جاء في بعض طرق الحديث في
صحيح مسلم (15) تسمية الرَّجل السائل النعمان بن قَوقَل.
2 قول السائل:
"أرأيت"معناه: أخبرني إذا فعلت هذه الأمور أدخل الجنَّة؟
3 الأمور التي سأل عن
دخوله الجنَّة إذا فعلها: الصلاة، والصيام، وإحلال الحلال، وتحريم الحرام، وليس
فيها ذكر الزكاة والحج، فيُحتمل أنَّ الحجَّ لم يُذكر لأنَّه لم يكن قد فُرض، ولم
تُذكر الزكاة لاحتمال أن يكون فقيراً ليس عنده مال يُزكَّي، ويحتمل أن تكون الزكاة
والحجُّ داخلين تحت إحلال الحلال وتحريم الحرام.
4 في الحديث ذكر القيام
بالواجبات، وليس فيه ذكر المستحبَّات، ومَن كان كذلك فهو المقتصد في قوله تعالى:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ
بِإِذْنِ اللَّهِ}، وفعل الواجبات وترك المحرَّمات سبب في دخول الجنَّة، لكن
الإتيان بالنوافل مع الفرائض يكمَّل بها الفرائض إذا لم يكن

ص -78-
أتَمَّها، وجاء بذلك حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود
(864)، والترمذي (413)، وابن ماجه (1425)، وأيضاً فالنوافل هي كالسياج للفرائض،
ومَن كان محافظاً عليها كان أشدَّ محافظة على الفرائض، ومَن تساهل بها قد يجرُّه
ذلك إلى الإخلال بالفرائض.
5 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 حرص الصحابة على
معرفة الأعمال التي تُدخِل الجنَّة.
2 أنَّ الأعمال سبب في دخول الجنَّة.
3
بيان أهميَّة الصلوات الخمس، وقد جاء في الحديث أنَّها عمود الإسلام.
4 بيان
أهميَّة صيام رمضان.
5 أنَّ المسلمَ يُحلُّ الحلالَ معتقداً حلَّه، ويجتنب
الحرام معتقداً حرمته.
6 بيان بطلان قول من زعم من الصوفية أنَّ الإنسانَ لا
يعبد الله رغبة في الجنَّة وخوفاً من النار، وقد قال عن خليله: {وَاجْعَلْنِي مِنْ
وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:42 pm

ص -79- الحديث الثالث والعشرون
عن أبي مالك الحارث بن عاصم
الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّهورُ شَطْرُ
الإيمان، والحمدُ لله تَملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تَملآن أو تَملأُ ما
بين السماء والأرض، والصلاةُ نور، والصدقةُ برهان، والصبرُ ضياء، والقرآنُ حجَّةٌ
لك أو عليك، كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمُعتقها أو موبقها" رواه مسلم.
1
الطُّهور فُسِّر بترك الشِّرك والذنوب والمعاصي والتخلِّي عنها، وفُسِّر بالوضوء
للصلاة، وفسِّر الإيمانُ بالصلاة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، ويرجِّحُ
تفسيرَ"الطُّهور"بالوضوء روايةُ الترمذي للحديث (3517)، وفيه بدل"الطهور""الوضوء"،
ورواية ابن ماجه (280) بلفظ: "إسباغ الوضوء"، والشطر فُسِّر بالنصف، وفسِّر بالجزء،
وإن لم يكن نصفاً، وشرط الصلاة الوضوء كما جاء في الحديث: "لا تُقبل صلاة بغير
طهور، ولا صدقة من غلول" رواه مسلم (224)، والطُّهور بالضمِّ اسمٌ للفعل وهو
التطهُّر، وبالفتح اسمٌ للماء الذي يُتطَّهر به، ومثل ذلك لفظ الوضوء والسحور
والوجور والسعوط.
2 قوله: "والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله
تَملآن أو تَملأ ما بين السماء والأرض"، الميزان: هو ميزان الأعمال، وهو يدلُّ على
فضل التحميد والتسبيح، والتسبيح هو تنزيه الله عن كلِّ نقص، والتحميد وصفُه بكلِّ
كمال.

ص -80- وقوله: "تملآن أو تملأ" يحتمل أن يكون مَلأُ ما بين السموات
والأرض للتسبيح والتحميد معاً أو لأحدهما، ويُحتمل أنَّ مَلأَ ما بين السماء والأرض
لهما معاً، والخبر جاء على الشكِّ من الراوي، هل هو بالتثنية أو بدونها.
3 قوله:
"والصلاة نور" يشمل النور في القلب، والنور في الوجه، ونور الهداية، والنور يوم
القيامة.
4 قوله: "والصدقة برهان" أي: دليل على إيمان صاحبها وصِدقه؛ وذلك أنَّ
النفوسَ تشحُّ بالمال، فمَن وُقي شحَّ نفسه وتصدَّق كان علامةً على إيمانه، ولأنَّ
المنافق قد يُصلي رياء، ولا تسمح نفسه بإخراج الصدقة لبخله وحرصه على المال.
5
قوله: "والصبر ضياء" أي: الصبر على الطاعات ولو شقَّت على النفوس، وعن المعاصي ولو
مالت إليها النفوس، وعلى أقدار الله المؤلمة فلا يجزع ولا يتسخَّط، وحصول ذلك من
المسلم يدلُّ على قوة إيمانه ونور بصيرته، ولهذا وُصف الصبر بأنَّه ضياء.
6
قوله: "والقرآنُ حجَّةٌ لك أو عليك"، أي أنَّ القرآنَ إمَّا حُجَّة للإنسان إذا قام
بما يجب عليه وما هو مطلوب منه في القرآن، من تصديق الأخبار، وامتثال الأوامر،
واجتناب النواهي، وتلاوته حقَّ تلاوته، وإمَّا حُجَّة عليه إذا أعرض عنه ولم يقُم
بما هو مطلوب منه، ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه
مسلم في صحيحه (817): "إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضَع به
آخرين".

ص -81- 7 قوله: "كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمُعتقها أو موبقها"،
معناه: أنَّ الناسَ يغدون ويسعون، فينقسمون إلى قسمين؛ قسم يبيع نفسَه على الله،
بفعل الطاعات واجتناب المعاصي، فيُعتقُها بذلك من النار، ويُبعدها عن إضلال الشيطان
وإغوائه، وقسمٌ يُوبقها بارتكاب الذنوب والمعاصي؛ وذلك بوقوعه في الشهوات المحرَّمة
التي توصله إلى النار.
8 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 بيان فضل
الطُّهور.
2 بيان فضل التحميد والتسبيح.
3 إثبات الميزان ووزن الأعمال.
4
فضل الصلاة، وأنَّها نورٌ في الدنيا والآخرة.
5 فضل الصدقة، وأنَّها علامةٌ على
إيمان صاحبها.
6 فضل الصبر، وأنَّه ضياءٌ للصابرين.
7 الحثُّ على العناية
بالقرآن تعلُّماً وتدبُّراً وعملاً؛ ليكون حُجَّة للإنسان.
8 التحذيرُ من
الإخلال بما يجب نحو القرآن؛ لئلاَّ يكون حجَّة عليه.
9 الحثُّ على كلِّ عمل
صالح يُعتق الإنسانُ نفسَه به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
10 التحذير من كلِّ
عمل سيِّء يجعل صاحبَه من أولياء الشيطان، ويُفضي بصاحبه إلى النار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:43 pm

ص -82- الحديث الرابع والعشرون
عن أبي ذر الغفاريِّ رضي الله عنه،
عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ أنَّه قال: "يا
عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً، فلا تظالَموا، يا
عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ
إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عارِ إلاَّ مَن كَسوته،
فاستكسوني أَكْسُكُم، يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ
جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم، يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن
تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا
على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ
أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجَر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك
من مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في
صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما
ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر، ياعبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثمَّ
أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا
يَلُومنَّ إلاَّ نفسه"رواه مسلم.
1 قوله: "عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما
يرويه عن ربِّه"هذا من الأحاديث القدسية، وهذه العبارة من العبارات التي يُعبَّر
بها عن الحديث القدسي، ومثلها عبارة: "قال الله عزَّ وجلَّ فيما يرويه عنه رسوله
صلى الله عليه وسلم"، والحديث القدسي هو ما يسنده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
ربِّه تعالى ويضيفه

ص -83- إليه، ويشتمل على ضمائر التكلُّم التي تعود إليه
سبحانه وتعالى.
2 قوله: "يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم
مُحرَّماً، فلا تظالَموا"، الظلم وضعُ الشيء في غير موضعه، وقد حرَّمه الله على
نفسه ومنَعها منه، مع قدرته عليه وعلى كلِّ شيء، فلا يقع منه الظلم أبداً؛ لكمال
عدله سبحانه وتعالى، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً
لِلْعِبَادِ}، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ
لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ}، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ
ظُلْماً وَلا هَضْماً}، أي: لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيّئاته، أو
تحميله سيِّئات غيره، ونفيُ الظلم عن الله عزَّ وجلَّ في هذه الآيات متضمِّنٌ إثبات
كمال عدله سبحانه، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/36): "وكونُه خَلَقَ
أفعالَ العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنَّه لا يُوصف
بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خَلْقُهُ وتقدِيرُه، فإنَّه لا يُوصَف إلاَّ
بأفعاله، لا يوصف بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا
يوصف بشيء منها، إنَّما يوصف بما قام به مِن صفاته وأفعاله، والله أعلم".
وقد
حرَّم الله تعالى على عباده الظلم، فلا يظلمُ أحد نفسَه ولا يظلم غيرَه.
3 قوله:
"يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم"، قال ابن رجب في
جامع العلوم والحكم (2/39 40): "قد ظنَّ بعضُهم أنَّه معارض لحديث عياض بن حمار عن
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: خلقت عبادي حُنفاء وفي رواية:
مسلمين فاجتالتهم

ص -84- الشياطين)، وليس كذلك، فإنَّ الله خلق بني آدم
وفطَرَهم على قبول الإسلام والميل إليه دون غيره، والتهيؤ لذلك والاستعداد له
بالقوَّة، لكن لا بدَّ للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنَّه قبل التعليم جاهلٌ لا
يعلم شيئاً، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}، وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:
{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}، والمراد وَجَدَك غيرَ عالِم بما علَّمك من الكتاب
والحكمة، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا
مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ}، فالإنسانُ يُولَد مفطوراً
على قبول الحقِّ، فإن هداه الله سبَّب له مَن يعلِّمه الهدى، فصار مهتدياً بالفعل،
بعد أن كان مهتدياً بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له مَن يعلِّمه ما يغيِّر فطرتَه،
كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه
ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه)".
وفي هذا الحديث الأمر بسؤال الله الهداية، وهي
تشمل هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والتسديد، وحاجة العباد إلى الهداية
أشدُّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وقد جاء في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فهم يسألون الله عزَّ وجلَّ أن يُثبِّتَهم على الهداية
الحاصلة، وأن يزيدهم هدى على هدى.
4 قوله: "يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن
أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عار إلاَّ مَن كَسوته، فاسْتكسوني
أَكْسُكُم"، في هاتَين الجملتين بيان شدَّة افتقار العباد إلى ربِّهم، وحاجتهم إليه
في تحصيل أرزاقهم وكسوتهم، وأنَّ عليهم أن يسألوه سبحانه وتعالى طعامهم
وكسوتهم.

ص -85- 5 قوله: "يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا
أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم"، أوجب الله عزَّ وجلَّ على العباد
امتثال الأوامر واجتناب المنهيات، والعباد يحصل منهم التقصير في أداء ما وجب عليهم،
والوقوع في شيء مِمَّا نُهوا عنه، وطريق السلامة من ذلك رجوعهم إلى الله، وتوبتهم
من ذنوبهم، وسؤال الله عزَّ وجلَّ أن يغفرها لهم، وفي الحديث: "كلُّ بني آدم
خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون"حديث حسن، أخرجه ابن ماجه (4251) وغيرُه.
6
قوله: "يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"،
قال ابن رجب (2/43): "يعني أنَّ العبادَ لا يقدرون أن يوصلوا نفعاً ولا ضرًّا؛
فإنَّ الله تعالى في نفسه غنيٌّ حميد، لا حاجة له بطاعات العباد، ولا يعود نفعها
إليه، وإنَّما هم ينتفعون بها، ولا يتضرَّر بمعاصيهم، وإنَّما هم يتضرَّرون بها،
قال الله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ
لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً}، وقال: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً}".
7 قوله: "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم
وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً،
يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد
منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً"، في هاتين الجملتين بيان كمال ملك الله عزَّ وجلَّ،
وكمال غناه عن خلقه، وأنَّ العبادَ لو كانوا كلُّهم على أتقى ما يكون أو أفجر ما
يكون، لَم يزد ذلك في ملكه شيئاً، ولم ينقص شيئاً، وأنَّ تقوى كلّ إنسان إنَّما
تكون نافعةً لذلك المتَّقي، وفجورَ كلّ فاجر إنَّما يكون ضررُه عليه.

ص -86-
8 قوله: "يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد
فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص
المِخْيَط إذا أُدخل البحر"، هذا يدلُّ على كمال غنى الله سبحانه وتعالى وافتقار
عباده إليه، وأنَّ الجنَّ والإنسَ لو اجتمعوا أوَّلُهم وآخرُهم، وسأل كلٌّ ما يريد،
وحقَّق الله لهم ذلك، لم ينقص ذلك مِمَّا عند الله إلاَّ كما ينقص المِخيَط إذا
أُدخل البحر، والمعنى أنَّه لا يحصل نقصٌ أصلاً؛ لأنَّ ما يعلق بالمخيَط وهو الإبرة
من الماء لا يُعتبَر شيئاً، لا في الوزن ولا في رأي العين.
9 قوله: "ياعبادي!
إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثمَّ أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً
فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومنَّ إلاَّ نفسه"، الناسُ في هذه
الحياة مكلَّفون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكلُّ ما يحصل منهم من عمل خيراً
أو شرًّا فهو مُحصًى عليهم، وسيجدُ كلٌّ أمامه ما قدَّم، إن خيراً فخير، وإن شرًّا
فشر، قال الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}، فمَن قدَّم خيراً وجد ثوابه
أمامه، والثواب من فضل الله على العبد، وفعل الخير في الدنيا هو من توفيق الله عزَّ
وجلَّ للعبد، فله الفضل أوَّلاً وآخراً، ومَن وَجَدَ أمامه غير الخير فإنَّما أُتي
العبد من قبل نفسه ومعصيته لربِّه وجنايته على نفسه، فإذا وجد أمامه العذاب فلا
يلومنَّ إلاَّ نفسه.
10 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ من الأحاديث ما
يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه يشتمل على ضمائر التكلُّم ترجع إلى الله،
ويُقال له الحديث القدسي.

ص -87- 2 تحريم الله الظلم على نفسه وتنزيهه عنه،
مع إثبات كمال ضدِّه وهو العدل.
3 تحريم الله الظلم على العباد لأنفسهم
ولغيرهم.
4 شدَّة حاجة العباد إلى سؤال ربِّهم الهُدى والطعام والكسوة وغير ذلك
من أمور دينهم ودنياهم.
5 أنَّ الله يحبُّ من عباده أن يسألوه كلَّ ما يحتاجون
إليه من أمور الدنيا والدِّين.
6 كمال ملك الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ العبادَ لا
يبلغون نفعه وضرَّه، بل يعود نفعُهم وضرُّهم إلى أنفسهم.
7 أنَّ العباد لا
يسلمون من الخطأ، وأنَّ عليهم التوبة من ذلك والاستغفار.
8 أنَّ التقوى والفجور
يكونان في القلوب؛ لقوله: "على أتقى قلب رجل"، و"على أفجر قلب رجل".
9 أنَّ ملكَ
الله لا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنقصه معاصي العاصين.
10 كمال غنى الله وكمال
ملكه، وأنَّه لو أعطى عبادَه أوَّلَهم وآخرَهم كلَّ ما سألوه لم ينقص من ملك الله
عزَّ وجلَّ وخزائنه شيئاً.
11 حثُّ العباد على الطاعة، وتحذيرهم من المعصية،
وأنَّ كلَّ ذلك محصى عليهم.
12 أنَّ من وفَّقه الله لطريق الخير ظفر بسعادة
الدنيا والآخرة، والفضل لله للتوفيق لسلوك سبيل الهُدى، ولحصول الثواب على
ذلك.
13 أنَّ مَن فرَّط وأساء العمل ظفر بالخسران، وندم حيث لا ينفع
النَّدم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:44 pm

ص -88- الحديث الخامس والعشرون
عن أبي ذر رضي الله عنه أيضاً:
أنَّ أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنَّبيِّ صلى الله عليه
وسلم: "ذهب أهلُ الدُّثور بالأجور، يُصلُّون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم،
ويتصدَّقون بفضول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدَّقون؟ إنَّ بكلِّ
تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلة صدقة، وأمر
بمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله!
أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه
وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"رواه مسلم.
1 أصحابُ رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحرصُ الناس على كلِّ خير، وأسبقهم إلى كلِّ خير، يتنافسون في
الأعمال الصالحة، ويحبُّ بعضُهم أن يلحق في الأجر بمن سبقه منهم، ولهذا ذكر جماعة
من فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاركتهم للأغنياء بالصلاة والصيام،
وكون الأغنياء تميَّزوا عليهم بالصدقة بفضول أموالهم، وقد أرشدهم النَّبيُّ صلى
الله عليه وسلم إلى أنَّ هناك أنواعاً من الصدقات يقدر الفقراء على الإتيان بها،
كالأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2 الصدقات التي أرشد النَّبيُّ صلى
الله عليه وسلم الفقراء إلى الإتيان بها تنقسم إلى قسمين:
قسم يقتصر نفعه عليهم،
وهو التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، وقسم يتعدَّاهم إلى غيرهم، يكون نفعه لهم
ولغيرهم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجماع.

ص -89- 3 أنَّ ما
يأتيه الإنسان من المباحات التي فيها حظُّ للنفس تكون قربةً بالنيَّة الصالحة، مثل
قضاء الإنسان شهوته إذا قصد بذلك إعفاف نفسه وإعفاف أهله وتحصيل الأولاد.
4
مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 حرص الصحابة على فعل الأعمال الصالحة والتنافس في
الخيرات.
2 أنَّ الصدقة لا تقتصر على الصدقة بالمال، وإن كانت أصلاً في
ذلك.
3 الحثُّ على التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، وأنَّ ذلك صدقة من
المسلم على نفسه.
4 أنَّ مَن عجز عن فعل شيء من الطاعات لعدم قدرته عليه، فإنَّه
يُكثر من الطاعات التي يقدر عليها.
5 الحثُّ على الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وأنَّه صدقةٌ من المسلم على نفسه وعلى غيره.
6 أنَّ قضاءَ الإنسان شهوته
بنيَّة صالحة يكون صدقة منه على نفسه وعلى غيره.
7 مراجعة العالِم فيما قاله
للتثبُّت فيه.
8 إثبات القياس؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم شبَّه ثبوت
الأجر لِِمَن قضى شهوته في الحلال بحصول الإثم لِمَن قضاها في الحرام، والذي في هذا
الحديث من قبيل قياس العكس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:44 pm

ص -90- الحديث السادس والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقة كلَّ يوم تطلع
فيه الشمس، تَعدلُ بين اثنين صدقة، وتعين الرَّجل في دابَّته فتحمله عليها أو ترفع
له عليها متاعَه صدقة، والكلمةُ الطيِّبة صدقة، وبكلِّ خطوة تَمشيها إلى الصلاة
صدقة، وتُميط الأذى عن الطريق صدقة" رواه البخاري ومسلم.
1 قوله: "كلُّ سُلامى
من الناس عليه صدقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس" السلامى المفاصل، وهي ستون وثلاثمائة،
جاء تفسيرها بذلك في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (1007)، والمعنى أنَّ
كلَّ يوم تطلع فيه الشمس فعلى جميع تلك السلامى صدقة في ذلك اليوم، ثم ذكر بعد ذلك
أمثلة مِمَّا تحصل به الصدقة، وهي فعلية وقولية، وقاصرة ومتعدِّية، وجاء في صحيح
مسلم من حديث أبي ذر (720): "ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"؛ وذلك أنَّ
صلاةَ هاتين الركعيتن يحصل بهما تحرك المفاصل في هذه العبادة وهي الصلاة، فتكون
مجزئة عن الصدقات في هذا اليوم.
2 كلُّ قُربة يأتي بها الإنسانُ سواء كانت قولية
أو فعلية فهي صدقة، وما ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو من
قبيل التمثيل لا الحصر، فالعدل بين الاثنين يكون في الحكم أو الصلح بين متنازعين
بالعدل، وهو قوليٌّ متعدٍّ، وإعانة الرَّجل في حمله على دابَّته أو حمل متاعه عليها
هو فعليٌّ متعدٍّ، وقول الكلمة الطيِّبة يدخل تحته كلُّ كلام طيِّب

ص -91-
من الذِّكر والدعاء والقراءة والتعليم والأمر والمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك،
وهو قوليٌّ قاصرٌ ومتعدٍّ، وكلُّ خطوة يمشيها المسلم إلى الصلاة صدقة من المسلم على
نفسه، وهو فعليٌّ قاصر، وإماطة الأذى عن الطريق من شوك أو حجر أو زجاج وغير ذلك،
وهو فعليٌّ متعدٍّ.
3 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ على كلِّ سلامى من
الإنسان كلَّ يوم صدقة، سواء كانت قاصرة أو متعدِّية.
2 الحثُّ على الإصلاح بين
متنازعين بالعدل.
3 حثُّ المسلم على إعانة غيره بما يحتاج إليه، كحمله على
دابَّته أو حمل متاع عليها.
4 الترغيب في كلِّ كلام طيِّب من ذكر وقراءة وتعليم
ودعوة وغير ذلك.
5 فضل المشي إلى المساجد، وقد جاء في حديث آخر أنَّه يُكتب له
مَمشاه في ذهابه وإيابه، رواه مسلم (663).
6 فضل إماطة الأذى عن الطريق، وقد جاء
في حديث آخر أنَّه من شعب الإيمان، رواه مسلم (5.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:45 pm

ص -92- الحديث السابع والعشرون
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه،
عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "البرُّ حُسن الخُلق، والإثمُ ما حاك في
النفس وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس" رواه مسلم.
وعن وابصة بن معبَد رضي الله عنه
قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "جئتَ تسأل عن البرِّ والإثم؟ قلت:
نعم! قال: استفت قلبَك، البرُّ ما اطمأنت إليه النفس واطمانَّ إليه القلب، والإثمُ
ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك" حديث حسن، رويناه في
مسندي الإمامَين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن.
1 حديث النواس رواه مسلم،
وحديث وابصة رواه أحمد والدارمي وفي إسناده مقال، لكن له شواهد بأسانيد جيِّدة،
ذكرها الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وهو في الجملة مُماثل لحديث النواس بن
سمعان.
2 البرُّ كلمةٌ جامعة تشمل الأمور الباطنة التي في القلب والأمور الظاهرة
التي تكون على اللسان والجوارح، وآية {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}
واضحة الدلالة على ذلك؛ فإنَّ أوَّلَها مشتمل على الأمور الباطنة، وآخرَها مشتمل
على الأمور الظاهرة، ويُطلق البرُّ على خصوص برِّ الوالدين، لا سيما إذا قُرن
بالصلة، فإنَّه يُراد بهما بر الوالدين وصلة الأرحام، ويأتي البرُّ مقروناً
بالتقوى، كما في قول الله عزَّ وجلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى}، فعند اجتماعهما كما في هذه الآية يُفسَّر البرُّ بفعل الطاعات،
والتقوى بترك المنهيات، فإذا أُفرد أحدهما

ص -93- عن الآخر بالذِّكر شمل
المعنيين جميعاً، وهذا نظير الإسلام والإيمان، والفقير والمسكين.
3 جاء في حديث
النواس"البرُّ حسن الخلق" وحُسنُ الخُلُق يحتمل أن يكون المراد به خصوص الخلق
الكريم المعروف بهذا الاسم، ويكون تفسير البرِّ به لأهميَّته وعظيم شأنه، وهو
نظير"الدِّين النصيحة"، و"الحجُّ عرفة"، ويُمكن أن يُراد به العموم والشمول لكلِّ
ما هو خير، ويدلُّ عليه وصف أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لِخُلق الرسول صلى
الله عليه وسلم بأنَّه القرآن، والمعنى أنَّه يتأدَّب بآدابه، ويمتثل أوامره،
ويجتنب نواهيه.
4 قوله: "والإثمُ ما حاك في نفسك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس"،
من الإثم ما يكون واضحاً جليًّا، ومنه ما يحوك في الصدر ولا تطمئنُّ إليه النفس،
ويكره الإنسانُ أن يطَّلع عليه الناس؛ لأنَّه مِمَّا يُستحيا من فعله، فيخشى صاحبُه
ألسنةَ الناس في نيلهم منه، وهو شبيه بما جاء في الأحاديث الثلاثة الماضية: "فمَن
اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، و"دع ما يريبُك إلى ما لا يريبك"، و"إنَّ
مِمَّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
والإثمُ
يُراد به عموم المعاصي الواضحة والمشتبهة، ويأتي مقترناً بالعدوان، كما في قول الله
عزَّ وجلَّ: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، فيُفسَّر العدوان
بالاعتداء والظلم، فيدخل فيه الاعتداء على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
5
فُسِّر البرُّ في حديث وابصة بما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب، ولا
يظهر لي فرقٌ بينهما، فقد تكون الجملة الثانية مؤكِّدةً

ص -94- للجملة
الأولى؛ لاتِّفاقهما في المعنى، وفُسِّر فيه الإثم بما يُقابل ذلك، وهو بمعنى ما
فُسِّر به الإثم في حديث النواس.
6 قوله في أول حديث وابصة: "استفت قلبك" وفي
آخره: "وإن أفتاك الناس وأفتوك" يدلُّ على أنَّ ما كان فيه شبهة وريبة ولا يطمئنُّ
إليه القلب، أنَّ السلامةَ في تركه ولو حصل إفتاء الناس به، والمقصود أنَّ من كان
من أهل الإيمان يخاف الله ويتَّقيه فإنَّه لا يُقدِم على الشيء الذي لا يطمئنُّ
إليه قلبه، وقد يكون الإفتاء مِمَّن لا علم عنده، وقد يكون مِمَّن عنده علم، ولكن
ليس في المسألة دليل بيِّن يُعوَّل عليه في الفعل، أمَّا إذا كان في المسألة دليل
من الكتاب والسنَّة فالمتعين المصير إليه، واستفتاء القلب لا يكون من أهل الفجور
والمعاصي؛ فإنَّ من أولئك مَن قد يُجاهر بالمعاصي ولا يستحيي من الله ولا من خلقه،
فمثل أولئك يقعون في الحرام البيِّن، ومن باب أولى المشتبه.
7 ما جاء في حديث
وابصة من إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له بالذي جاء يسأل عنه قبل أن يُبدي
سؤاله محمول والله أعلم على علم سابق للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم باهتمام هذا
الصحابيِّ بمعرفة البرِّ والإثم، فلعلَّه حصل له مراجعة النَّبيِّ صلى الله عليه
وسلم من قبل في شيء من ذلك.
8 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 بيان عظم شأن حسن
الخلق.
2 أنَّ البرَّ والإثمَ من الكلمات الجامعة.
3 أنَّ المسلمَ يُقْدِم في
أمور دينه على فعل ما هو واضح الحلِّ دون ما هو مشتبه.

ص -95- 4 أنَّ المؤمن
الذي يخاف الله لا يفعل ما لا يطمئن إليه قلبه، ولو أُفتي به، ما لم يكن أمراً
واضحاً في الشرع كالرخص.
5 حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة الحلال والحرام
والبر والإثم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:45 pm

الحديث الثامن والعشرون
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله
عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة وجلت منها القلوب،
وذرَفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنَّها موعظةُ مودِّع فأوصِنا، قال:
"أُوصيكم بتقوى الله عزَّ وجلَّ، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد، فإنَّه مَن
يَعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة
ضلالة" رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".
1 قول العرباض: "وعظنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة وجلت منها القلوب، وذرَفت منها العيون"،
الموعظة ما كان من الكلام فيه ترغيب وترهيب، يؤَثّر على النفوس ويبلغ القلوب، فتوجل
من مخافة الله، وقد وصف العرباض رضي الله عنه هذه الموعظة بهذه الصفات الثلاث، التي
هي البلاغة ووجل القلب وذرف العيون، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/111):
"والبلاغة في الموعظة مستحسنة؛ لأنَّها أقربُ إلى قبول القلوب واستجلابها، والبلاغة
هي التوصُّل إلى إفهام

ص -96- المعاني المقصودة وإيصالها إلى قلوب السامعين
بأحسن صورة من الألفاظ الدَّالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع وأوقعها في
القلوب".
وقد وصف الله المؤمنين بوجل قلوبهم وذرف عيونهم عند ذكر الله، قال الله
عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ
قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ
تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}
2 قوله: "قلنا: يا رسول الله!
كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا"أي: أنَّ هذه الوصية تشبه موعظة المودِّع، لذا فقد طلب
الصحابة الكرام وهم الحريصون على كلِّ خير وصيَّة جامعة يعهد بها إليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، يتمسَّكون بها ويُعوِّلون عليها؛ لأنَّ الوصيَّة عند الوداع
لها وقع في النفوس، ولعلَّ هذه الموعظة كان فيها ما يشعر بالتوديع، لذا طلبوا هذه
الوصيَّة.
3 قوله: "أوصيكم بتقوى الله"، تقوى الله عزَّ وجلَّ أن يجعل المرء
بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بفعل الطاعات واجتناب المعاصي، وتصديق
الأخبار، وهي وصيَّة الله للأولين والآخرين، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ}، وهي سبب كلِّ خير وفلاح في الدنيا والآخرة، ويأتي الأمر بتقوى
الله في كثير من الآيات، لا سيما الآيات المبدوءة ب{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا}، وكذلك في وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
4 قوله:
"والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد" وهي وصيَّة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في
غير معصية الله، ولو كان الأمير عبداً،

ص -97- وقد أجمع العلماء على أنَّ
العبدَ ليس أهلاً للخلافة، ويُحمل ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في معناه
على المبالغة في لزوم السمع والطاعة للعبد إذا كان خليفة، وإن كان ذلك لا يقع، أو
أنَّ ذلك يحمل على تولية الخليفة عبداً على قرية أو جماعة، أو أنَّه كان عند
التولية حرًّا، وأُطلق عليه عبد باعتبار ما كان، أو على أنَّ العبدَ تغلَّب على
الناس بشوكته واستقرَّت الأمور واستتبَّ الأمن؛ لِمَا في منازعته من حصول ما هو
أنكر من ولايته.
5 قوله: "فإنَّه مَن يعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً"، هذا من
دلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر عن أمر مستقبَل وقع طبقاً لِمَا أخبر
به صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ الذين طالت أعمارُهم من أصحاب النَّبيِّ صلى الله
عليه وسلم أدركوا اختلافاً كثيراً ومخالفة لِمَا كان عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه، وذلك بظهور بعض فرق الضلال، كالقدرية والخوارج وغيرهم.
6 قوله:
"فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنَّواجذ"،
لَمَّا أخبر صلى الله عليه وسلم بحصول التفرُّق وكثرته، أرشد إلى طريق السلامة
والنجاة، وذلك بالتمسُّك بسنَّته وسنَّة خلفائه الراشدين، وخلفاؤه الراشدون هم أبو
بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
خلافتَهم بأنَّها خلافةُ نبوَّة، كما جاء في حديث سفينة رضي الله عنه: "خلافة
النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي اللهُ الملكَ أو ملكَه من يشاء"رواه أبو داود (4646)
وغيرُه، وهو حديث صحيح، أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (460)، ونقل تصحيحه عن
تسعة من العلماء، قال ابن رجب (2/120): "والسنَّة هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك
التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من

ص -98- الاعتقادات والأعمال
والأقوال، وهذه هي السنَّة الكاملة، ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم السنَّة
إلاَّ على ما يشمل ذلك كلَّه، وروي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض،
وكثير من العلماء المتأخرين يخصُّ اسمَ السنَّة بما يتعلَّق بالاعتقادات؛ لأنَّها
أصلُ الدِّين، والمخالف فيها على خطر عظيم".
وقد حثَّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم على التمسُّك بسنَّته وسنَّة خلفائه الراشدين بقوله: "فعليكم"، وهي اسم فعل
أمر، ثم أرشد إلى شدَّة التمسُّك بها بقوله: "عضُّوا عليها بالنَّواجذ"، والنواجذ
هي الأضراس، وذلك مبالغة في شدَّة التمسُّك بها.
7 قوله: "وإيَّاكم ومحدثات
الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة"، في رواية أبي داود (4607): "وإيَّاكم ومحدثات
الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة"، محدثات الأمور ما أُحدِث
وابتُدع في الدِّين مِمَّا لم يكن له أصل فيه، وهو يرجع إلى الاختلاف والتفرُّق
المذموم الذي ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "فإنَّه مَن يَعش منكم
فسيرى اختلافاً كثيراً"، وقد وصف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ البدع بأنَّها
ضلال، فلا يكون شيءٌ من البدع حسناً؛ لعموم قوله: "وكل بدعة ضلالة"، وقد روى محمد
بن نصر في كتابه السنة بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كلُّ بدعة
ضلالة، وإن رآها الناس حسنة"، وذكر الشاطبي في الاعتصام عن ابن الماجشون قال: سمعت
مالكاً يقول: "مَن ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً خان
الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: {لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فما لم يكن
يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً"، وقال أبو عثمان النيسابوري: "مَن أمَّر السنَّة
على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومَن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً
نطق

ص -99- بالبدعة"، انظر: حلية الأولياء (10/244)، وأمَّا الحديث الذي
رواه مسلم في صحيحه (1017): "مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر مَن
عمل بها" فهو محمولٌ على القدوة الحسنة في الخير، كما هو واضح من سبب الحديث، وهو
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حثَّ على الصدقة، فأتى رجلٌ من الأنصار بصُرَّة
كبيرة، فتابعه الناسُ على الصدقة، فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
قال، وهو محمولٌ أيضاً على مَن أظهر سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحياها، كما
حصل من عمر رضي الله عنه في جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، فإنَّه إظهارٌ
لسنَّته صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس قيام رمضان في
بعض الليالي، وتركه خشية أن يُفرض عليهم، كما في صحيح البخاري (2012)، فلمَّا توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ما كان يُخشى من الفرض لانقطاع التشريع بوفاته
صلى الله عليه وسلم، فبقي الاستحباب، فأظهره عمر رضي الله عنه، وهو أيضاً من سنَّة
الخلفاء الراشدين، وما جاء عنه رضي الله عنه من قوله: "نعم البدعة"، كما في صحيح
البخاري (2010) يريد إظهار صلاة التراويح، يُراد به البدعة اللغوية، ومثل ذلك زيادة
عثمان رضي الله عنه الأذان يوم الجمعة، وقد وافقه عليه الصحابةُ رضي الله عنهم، فهو
من سنَّة الخلفاء الراشدين، وما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه بدعة، فهو
محمولٌ إن صحَّ على البدعة اللغوية.
8 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 استحباب
الموعظة والتذكير في بعض الأحيان؛ لِمَا في ذلك من التأثير على القلوب.
2 حرص
الصحابة رضي الله عنهم على الخير؛ لطلبهم الوصيَّة منه صلى الله عليه
وسلم.

ص -100- 3 أنَّ أهمَّ ما يوصى به تقوى الله عزَّ وجلَّ، وهي طاعته
بامتثال أمره واجتناب نهيه.
4 أنَّ من أهمِّ ما يوصى به السمع والطاعة لولاة
الأمور؛ لِمَا في ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية للمسلمين.
5 المبالغة في
الحثِّ على لزوم السمع والطاعة، ولو كان الأمير عبداً.
6 إخبار النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم عن وجود الاختلاف الكثير في أمَّته، ثم حصوله كما أخبر من دلائل
نبوته صلى الله عليه وسلم.
7 أنَّ طريق السلامة عند الاختلاف في الدِّين لزوم
سنَّته صلى الله عليه وسلم وسنَّة الخلفاء الراشدين.
8 بيان فضل الخلفاء
الراشدين، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وأنَّهم راشدون
مهديُّون.
9 التحذير من كلِّ ما أُحدث في الدِّين مِمَّا لم يكن له أصل
فيه.
10 أنَّ البدع كلَّها ضلال، فلا يكون شيء منها حسناً.
11 الجمع بين
الترغيب والترهيب؛ لقوله في الترغيب: "فعليكم"، وفي الترهيب: "وإيَّاكم".
12
بيان أهميَّة الوصية بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمور، واتِّباع السنن وترك
البدع؛ لكون النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابَه بها بعد قوله عن موعظته:
"كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:46 pm

ص -101- الحديث التاسع والعشرون
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلني الجنَّة ويُباعدني عن النار، قال: "لقد
سألتَ عن عظيم، وإنَّه ليسير على مَن يسرَّه الله تعالى عليه؛ تعبد اللهَ لا تشرك
به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألاَ
أدلُّك على أبواب الخير؟ الصومُ جُنَّة، والصدقةُ تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ
النار، وصلاةُ الرجل في جَوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ {يَعْلَمُونَ}، ثم قال: ألاَ أخبرك برأس الأمر وعمودِه وذروة
سَنَامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأسُ الأمر الإسلامُ، وعمودُه الصلاة، وذروة
سَنَامه الجهاد، ثم قال: ألاَ أخبرك بمِلاكِ ذلك كلِّه؟ قلت: بلى يا رسول الله!
فأخذ بلسانه، وقال: كُفَّ عليك هذا، قلت: يا نبيَّ الله! وإنَّا لمؤاخذون بما
نتكلَّم به؟ فقال: ثكِلتك أمُّك! وهل يَكبُّ الناسَ في النَّار على وجوههم أو قال:
على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم؟" رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
1
قوله: "قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلني الجنَّة ويُباعدني عن النار"يدلُّ
على حرص الصحابة على الخير ومعرفة الأعمال التي بها حصول الجنَّة والسلامة من
النار، ويدلُّ على وجود الجنَّة والنار، وأنَّ أولياء الله يعملون الصالحات ليظفروا
بالجنَّة ويسلموا من النار، وهذا بخلاف ما يقوله بعضُ الصوفية أنَّهم لا يعبدون
الله رغبة في جنَّته ولا خوفاً من ناره، وهو باطل؛ لحرص الصحابة على معرفة الأعمال
الموصلة إلى الجنَّة والمباعدة من النار، وقد قال الله عن خليله:

ص -102-
{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}، ويدلُّ أيضاً على أنَّ الأعمالَ
الصالحة سببٌ في دخول الجنَّة، وقد جاء في ذلك آياتٌ كثيرة، منها قول الله عزَّ
وجلَّ: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}،
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ
فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وذلك لا يُنافي ما جاء في الحديث: "لن
يدخل أحدكم بعمله الجنَّة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا، إلاَّ أن
يتغمَّدني الله برحمة منه"رواه البخاري (6463)، ومسلم (2816)، فإنَّ الباءَ في
الحديث للمعاوضة، وفي الآيات للسببية، ودخول الجنَّات ليس عوضاً عن الأعمال،
وإنَّما الأعمال الصالحة أسباب لها، والله عزَّ وجلَّ تفضَّل بالتوفيق للسبب، وهو
العمل الصالح، وتفضَّل بالجزاء الذي هو دخول الجنَّة، فرجع الفضل في السبب والمسبب
إلى الله سبحانه وتعالى.
2 قوله: "لقد سألت عن عظيم، وإنَّه ليسير على مَن
يسَّره الله تعالى عليه"، فيه بيان عظيم منزلة هذا السؤال وأهميَّته والتشجيع على
مثله؛ حيث وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المسئول عنه فيه بأنَّه عظيم، ومع عظمه
ومشقَّة الإتيان به فقد أتبعه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بما يُبيِّن سهولته
ويُسرَه على مَن يسَّره الله عليه، وهو يدلُّ على أنَّ المسلمَ يصبر على الطاعات
ولو شقَّت على النفوس؛ لأنَّ عاقبة الصبر حميدة، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}، وقال صلى الله عليه وسلم:
"حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النَّار بالشهوات" رواه البخاري (6487)، ومسلم
(2822).
3 قوله: "تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة،
وتصوم رمضان، وتحج البيت"، بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أهمَّ
شيء

ص -103- يُتقرَّب به إلى الله ويحصل به الظفر بالجنَّة والسلامة من
النار أداء الفرائض، وهي في هذا الحديث أركان الإسلام الخمسة التي جاءت في حديث
جبريل وحديث ابن عمر: "بُني الإسلام على خمس"، وقد جاء في الحديث القدسي: "وما
تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبُّ إليَّ مِمَّا افترضته عليه"، وقوله: "تعبد الله ولا
تشرك به شيئاً"مشتملٌ على بيان حقِّ الله، وهو إخلاص العبادة لله، ويدخل في ذلك
شهادة أنَّ محمداً رسول الله؛ لأنَّ عبادةَ الله لا تُعرف إلاَّ بتصديقه صلى الله
عليه وسلم، والعمل بما جاء به، وكلُّ عمل يُتقرَّب به إلى الله لا ينفع صاحبَه
إلاَّ إذا كان خالصاً لله ومبنيًّا على اتِّباع سنَّة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، والشهادتان متلازمتان، لا بدَّ مع شهادة أن لا إله إلاَّ الله من شهادة أنَّ
محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكِرت في الحديث هذه الأركان مرتَّبة حسب
أهميَّتها، وقُدِّمت الصلاة لكونها صلة وثيقة بين العبد وبين ربِّه؛ لتكرُّرِها في
اليوم والليلة خمس مرَّات، وذكر بعدها الزكاة؛ لأنَّها لا تأتي في العام إلاَّ
مرَّة واحدة، ونفعها يحصل لدافع الزكاة والمدفوعة إليه، ثم بعد ذلك الصيام؛
لتكرُّره في كلِّ عام، وبعده الحج؛ لأنَّه لا يجب في العمر إلاَّ مرَّة واحدة.
4
قوله: "ألاَ أدلُّك على أبواب الخير؟ الصومُ جُنَّة، والصدقةُ تطفئ الخطيئة كما
يطفئ الماءُ النار، وصلاةُ الرجل في جَوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ
عَنِ الْمَضَاجِعِ}"، حتى بلغ {يَعْلَمُونَ}لَمَّا بيَّن صلى الله عليه وسلم
الفرائضَ التي هي سبب في دخول الجنَّة والسلامة من النار، أرشد صلى الله عليه وسلم
إلى جملة من النوافل التي يحصل للمسلم بها زيادة الإيمان وزيادة الثواب وتكفير
الذنوب، وهي الصدقة والصيام وقيام الليل، وقال عن الصوم: "الصومُ جُنَّة"،
والجُنَّة هي الوقاية، والصوم وقاية في

ص -104- الدنيا والآخرة، فهو وقاية
في الدنيا من الوقوع في المعاصي، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الشباب! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج،
فإنَّه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وِجاء" رواه
البخاري (1905)، ومسلم (1400)، وهو وقاية في الآخرة من دخول النار، وقد جاء في
الحديث:."مَن صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً"رواه
البخاري (2840).
وقوله: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار"، فيه بيان
عظم شأن الصدقة النافلة، وأنَّ الله تعالى يحطُّ بها الخطايا ويُطفئها بها كما
يُطفئ الماءُ النارَ، والخطايا هي الصغائر، وكذلك الكبائر مع التوبة منها، وتشبيه
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إطفاء الصدقة للخطايا بإطفاء الماء النار يدلُّ على
زوال الخطايا كلّها؛ فإنَّ المشاهد في الماء إذا وقع على النار أنَّه يزيلها حتى لا
يبقى لها وجود.
وقوله: "وصلاة الرَّجل في جوف الليل"هذا هو الأمر الثالث من
أبواب الخير، التي يُتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بها، وقد تلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند ذلك قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}، وقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أفضلَ الصلاة بعد
المكتوبة صلاة الليل، رواه مسلم (1163)، وقد مهَّد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
لبيان أبواب الخير هذه بالاستفهام، وذلك في قوله لمعاذ: "ألاَ أدلُّك على أبواب
الخير؟"؛ لِمَا في ذلك من لفت نظر معاذ إلى أهميَّة ما يُلقَى عليه، ليتهيَّأ لذلك
ويستعدَّ لوعي كلِّ ما يُلقَى عليه.

ص -105- 5 قوله: "ألاَ أخبرك برأس الأمر
وعموده وذروة سَنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده
الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"، المراد بالأمر الشأن الذي هو أعظم الشؤون، وهو
الدِّين الذي بُعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأسه الإسلام وهو عام، يشمل
الصلاة والجهاد وغيرهما، وقد ذكر الصلاة ووصفها بأنَّها عمود الإسلام، شبَّه ذلك
بالبناء الذي يقوم على أعمدته، وهي أهمُّ العبادات البدنية القاصر نفعها على
صاحبها، ثم ذكر الجهاد الذي يشمل جهاد النفس وجهاد الأعداء من كفَّار ومنافقين،
ووصفه بأنَّه ذروة سنام الإسلام؛ وذلك أنَّ في الجهاد قوةَ المسلمين وظهورَ دينهم
وعلوَّه على غيره من الأديان.
6 قوله: "ألاَ أخبرك بمِلاكِ ذلك كلِّه؟ قلت: بلى
يا رسول الله! فأخذ بلسانه، ثم قال: كُفَّ عليك هذا، قلت: يا نبيَّ الله! وإنَّا
لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟ فقال: ثكِلتك أمُّك! وهل يَكبُّ الناسَ في النَّار على
وجوههم أو قال: على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم؟!"، في هذا بيان خطر اللسان،
وأنَّه الذي يوقع في المهالك، وأنَّ مِلاَك الخير في حفظه، حتى لا يصدر منه إلاَّ
ما هو خير، كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَن يضمن لي ما بين لحْيَيْه ورِجليه أضمن
له الجنَّة" رواه البخاري (6474)، وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله
اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث في جامع العلوم
والحكم (2/146 147): "هذا يدلُّ على أنَّ كَفَّ اللسان وضبطَه وحَبسَه هو أصلُ
الخير كلِّه، وأنَّ مَن مَلَكَ لسانَه فقد ملَكَ أمرَه وأحكمَه وضبطَه"، وقال:
"والمرادُ بحصائد الألسنة جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته، فإنَّ الإنسان يزرع
بقوله وعمله الحسنات والسيِّئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع،

ص -106- فمَن
زرَع خيراً مِن قول أو عمل حصد الكرامةَ، ومَن زرع شرًّا من قول أو عمل حصد غداً
النَّدامةَ، وظاهرُ حديث معاذ يدلُّ على أنَّ أكثرَ ما يدخل به الناسُ النارَ
النطقُ بألسنتهم، فإنَّ معصيةَ النطق يدخل فيها الشركُ، وهو أعظم الذنوب عند الله
عز وجل، ويدخل فيها القولُ على الله بغير علم، وهو قرين الشرك، ويدخل فيها شهادةُ
الزور التي عدَلت الإشراك بالله عز وجل، ويدخل فيها السِّحر والقذف وغير ذلك من
الكبائر والصغائر، كالكذب والغيبة والنَّميمة، وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو
غالباً من قول يقترن بها يكون معيناً عليها".
وقوله: "ثكلتك أمُّك"قال الشيخ ابن
عثيمين في شرح هذا الحديث: "أي: فقدتك حتى كانت ثكلى من فقدك، وهذه الجملة لا يُراد
بها معناها، وإنَّما يُراد بها الحثُّ والإغراء على فهم ما يُقال"، بل إنَّ ما جاء
من ذلك في هذا الحديث وما يُماثله يكون من قبيل الدعاء لِمَن أضيف إليه، ويدلُّ له
الحديث في صحيح مسلم (2603) عن أنس، وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا أمَّ
سُليم! أمَا تعلمين أنَّ شرطي على ربِّي أنِّي اشترطتُّ على ربِّي، فقلت: إنَّما
أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيُّما أحد دعوت عليه من
أمَّتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم
القيامة"، ومن دقَّة الإمام مسلم رحمه الله وحسن ترتيبه صحيحه أنَّه أورد عقب هذا
الحديث حديثَ ابن عباس رضي الله عنهما في قوله في معاوية: "لا أشبع اللهُ بطنَه"،
فيكون دعاءً له، وليس دعاء عليه.

ص -107- 7 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1
حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير ومعرفة ما يوصل إلى الجنَّة ويُباعد من
النار.
2 أنَّ الجنَّة والنار موجودتان، وهما باقيتان لا تفنيان.
3 أنَّ
عبادة الله يُرجى فيها دخول الجنَّة والسلامة من النار، وليس كما يقول بعض الصوفية
إنَّ الله لا يُعبد رغبة في جنَّته ولا خوفاً من ناره.
4 بيان أهميَّة العمل
المسئول عنه، وأنَّه عظيم.
5 أنَّ الطريقَ الموصل إلى النجاة شاق، وسلوكه يحصل
بتيسير الله.
6 أنَّ أهمَّ شيء كُلِّف به الثقلان عبادة الله عزَّ وجلَّ، وقد
أُنزلت الكتب وأُرسلت الرسل لذلك.
7 أنَّ عبادةَ الله لا تُعتبر إلاَّ إذا بُنيت
على الشهادتين، وهما متلازمتان، ولا يُقبل العمل إلاَّ إذا كان خالصاً لله،
ومطابقاً لِما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8 بيان عظم شأن أركان
الإسلام؛ حيث دلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذاً عليها من بين الفرائض التي
فرضها الله.
9 أنَّ هذه الفرائض مرتَّبة في أهميَّتها حسب ترتيبها في هذا
الحديث.
10 الحثُّ على الإتيان بالنوافل مع الإتيان بالفرائض.
11 أنَّ مِن
أهمِّ ما يُتقرَّب به إلى الله بعد أداء الفرائض الصدقة والصوم وقيام
الليل.

ص -108- 12 بيان عظم شأن الصلاة وأنَّها عمود الإسلام.
13 بيان
فضل الجهاد، وأنَّه ذروة سنام الإسلام.
14 بيان خطورة اللسان، وأنَّه يُفضي إلى
المهالك ويُوقع في النار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:47 pm

الحديث الثلاثون
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيِّعوها،
وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير
نسيان فلا تبحثوا عنها" حديث حسن، رواه الدارقطني وغيرُه.
1 الحديث حسَّنه
النووي ومِن قبله أبو بكر بن السمعاني كما قال ابن رجب، وفي سنده انقطاع، لكن ذكر
ابن رجب ما يشهد لمعناه، فقال (2/150 151): "وقد روي معنى هذا الحديث مرفوعاً من
وجوه أخر، خرَّجه البزار في مسنده والحاكم من حديث أبي الدرداء، عن النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم، قال: "ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما
سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإنَّ الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا
هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}"، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال
البزار: إسناده صالح".
2 قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/152 153):
"فحديثُ أبي ثعلبة قسم فيه أحكام الله أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت
عنه، وذلك يجمع أحكام الدِّين كلَّها، قال

ص -109- أبو بكر ابن السمعاني:
هذا الحديث أصل كبير من أصول الدِّين، قال: وحُكي عن بعضهم أنَّه قال ليس في أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحد أجمعَ بانفراده لأصول العلم وفروعِه من
حديث أبي ثعلبة، قال: وحُكي عن واثلة المزني أنَّه قال: جمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم الدِّين في أربع كلمات، ثم ذكر حديث أبي ثعلبة، قال ابن السمعاني: فمَن
عمل بهذا الحديث فقد حاز الثواب، وأمن العقاب؛ لأنَّ مَن أدَّى الفرائضَ، واجتنب
المحارمَ، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه، فقد استوفى أقسامَ الفضل،
وأوفى حقوق الدِّين؛ لأنَّ الشرائعَ لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا
الحديث، انتهى".
3 قوله: "إنَّ الله فرض فرائض فلا تضيِّعوها"، أي: أوجب أشياء
وجعل فرضها حتماً لازماً، كالصلاة والزكاة والصيام والحجِّ، فيجب على كلِّ مسلم
الإتيان بها كما أمر الله، دون ترك لها أو حصول إخلال في فعلها.
4 قوله: "وحدَّ
حدوداً فلا تعتدوها"، أي: شرع أموراً هي واجبة أو مستحبَّة أو مباحة، فلا يتجاوز
تلك الحدود إلى غيرها، فيقع في أمر حرام، وذلك كالمواريث التي بيَّنها الله عزَّ
وجلَّ في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يتعدَّاها وأن يأتي بقسمة تخالفها، وتأتي الحدود
مراداً بها ما حرَّم الله، فيكون الواجب على المسلم أن لا يقرَبها، كما قال الله
عزَّ وجلَّ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا}
5 قوله: "وحرَّم أشياء
فلا تنتهكوها"، أي: أنَّ ما حرَّمه الله لا يجوز للمسلمين أن يقعوا فيه، بل يتعيَّن
عليهم تركه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه".

ص
-110- 6 قوله "وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها"، أي: هناك أمور
لم يأت النصُّ عليها في الكتاب والسنَّة، فلا يُشتغل في البحث عنها والسؤال عنها،
وذلك مثل السؤال عن الحجِّ في كلِّ عام الذي أنكره الرسول صلى الله عليه وسلم على
السائل، وقال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم كثرة مسائلهم
واختلافهم على أنبيائهم"، وكالسؤال عن تحريم شيء لم يحرم، فيترتَّب عليه التحريم
بسبب السؤال، كما ثبت بيان خطورته في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد
زمنه صلى الله عليه وسلم لا يسأل الأسئلة التي فيها تنطُّع وتكلُّف، والمعنى سكت عن
أشياء فلم يفرضها ولم يوجبها ولم يحرمها، فلا يُسأل عنها، وقد قال الله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ
تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ
عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ
قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ}
قال ابن رجب (2/163): "وأمَّا
المسكوتُ عنه، فهو ما لم يُذكر حكمُه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفوًّا
عنه لا حرج على فاعله، وعلى هذا دلَّت هذه الأحاديث المذكورة ههنا، كحديث أبي ثعلبة
وغيره".
7 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 أنَّ من شريعة الله ما هو فرض لازم،
يجب فعله وعدم إضاعته.
2 أنَّه يجب الوقوف عند الواجبات والمستحبَّات والمباحات،
فلا تتجاوز إلى المحرَّمات.
3 أنَّ كلَّ ما حرَّمه الله يتعيَّن على المسلم تركه
والابتعاد عنه.
4 أنَّ ما لم يأت فيه تحريم ولا تحليل فهو عفوٌ لا يُسأل
عنه.

جمع الفقير إلى الله جل و علا :
أبو حارثة الأثري اليمني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-   فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3- I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 1:51 pm

يتــــــــبــــــــــــــع....الجزء الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب -3-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منابـــر أهل الحديث والأثــر :: المنبر الاسلامي :: منبرالاحاديث النبوية-
انتقل الى: