منابـــر أهل الحديث والأثــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اتباع أهل الحديث والأثر في فهم النصوص
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شرح ثلاثة الأصول

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ثلاثة الأصول   شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 11, 2008 3:03 pm

فلمَّا استقرَّ بالمدينةِ أُمِرَ ببقيَّةِ شرائعِ الإسلامِ مثلُ الزكاةِ، والصّومِ، والحجِّ، والأذانِ، والجهادِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ وغيرِ ذلكَ مِنْ شرائعِ الإسلامِ. أخذَ على هذا عَشَرَ سنينَ وبعدَها تُوُفِّيَ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ ودينُهُ باقٍ. وهذا دينُه، لا خيرَ إلاَّ دَلَّ الأمَّةَ عليهِ، ولا شَرَّ إلاَّ حَذَّرَهَا منْه، والخيُر الذي دلَّهَا عليْه: التَّوحيدُ، وجميعُ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويرضاهُ. والشَّرُّ الذي حَذَّرَهَا منه: الشِّركُ وجميعُ ما يكرَهُهُ اللهُ ويأباهُ. بعثَهُ اللهُ إلى الناسِ كافَّة، وافترضَ طاعَتَه على جميعِ الثّقلينِ: الجنِّ والإنسِ، والدليلُ قولُهُ تعالى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158]، وكمَّلَ اللهُ به الدينَ والدليلُ قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:03]. والدليلُ على موتِهِ صلى الله عليه وسلم قولُهُ تعالى ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30)ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾[الزمر:30-31]. والناسُ إذَا ماتُوا يُبْعَثُونَ، والدليلُ قولُهُ تعالى﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[طه:55]، وقولُهُ تعالى ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ نَبَاتًا(17)ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾[نوح:17-18]، وبعدَ البَعْثِ محاسبُونَ ومَجزيُّونَ بأعْمالِهمْ والدليلُ قولُهُ تعالى﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾[النجم:31]، ومَنْ كَذَّبَ بالبعثِ كَفَرَ، والدليلُ قولُهُ تعالى﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[التغابن:07].
قال (فلما استقر بالمدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة) الزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة، أريد بالزكاة التي فرضت في السنة الثانية من الهجرة هذه الزكاة على هذا النحو المقدر؛ زكاة بشروطها، وبأنصبائها، وقدر المخرَج، وأوعية الزكاة ونحو ذلك, هذا فُرض في السنة الثانية من الهجرة, أما جنس الزكاة فقد فرض في مكة، جنس الزكاة غير مقدر مثل الصلاة التي كانت في مكة, وهذا جاء في آخر سورة المزمل, قال جل وعلا في آخرها وهي مكية ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[المزمل:20]، فأمر بإيتاء الزكاة قال (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) والصواب من أقوال أهل العلم أن الزكاة أوجبت في مكة, ومنها بذل الماعون الذي جاء النهي عنه, في قوله ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾[الماعون:7]، ومنها الصدقة, منها إعطاء الفقير, ونحو ذلك، وهذه الزكاة غير محدودة, لا بقدر, ولا بصفة, وإنما يصدق عليها اسم الزكاة, أما الزكاة على هذا النحو المقدر الذي استقر فهذا فرض في السنة الثانية من الهجرة. قال (والصوم) الصوم كذلك، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم «لما تصومون هذا اليوم؟» قالوا: يوم نجى الله فيه موسى، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه كما صام موسى. فقال عليه الصلاة والسلام: «نحن أحق بموسى منكم» فصامه عليه الصلاة والسلام، وأَمَر بصيامه، يعني كان صوم يوم عاشوراء فرضا، ثم لما فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وهي السنة التي كان فيها وقعة بدر، صار صوم عاشوراء على الصحيح مستحبا، والفرض هو صيام شهر رمضان، كما قال جل وعلا في سورة البقرة ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة:185] وبها كان صيام رمضان واجبا. قال(والحج) من أهل العلم من يقول أنه فرض في السنة السادسة، وهي السنة التي نزل فيها قول الله تعالى ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة:196]، ومنهم من قال أنه لم يفرض إلا في السنة التاسعة، وهذا هو الصحيح، فإن الحج فرض متأخرا، وذلك بعد فتح مكة، فأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج في سورة آل عمران، وهي إنما نزلت في سنة الوفود أو في عام الوفود، وهي السنة التاسعة، والنبي عليه الصلاة والسلام ترك الحج تلك السنة، وأمر أبا بكر أن يحج بالناس، وبعث معه عليا رضي الله عنهم أجمعين، ثم حج عليه الصلاة والسلام بعد ذلك في السنة العاشرة حجة يتيمة لم يحج بعدها.
قال(والأذان) كذلك فُرض الأذان في أول العهد المدني.
(والجهاد) كان هناك تدرج في فرضه.
(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام)، يعني أن شرائع الإسلام الظاهرة إنما فرضت في المدينة، وأما في مكة فمكث عليه الصلاة والسلام، يدعو إلى التوحيد، وينهى عن الشرك عشر سنين، ثم فرضت الصلاة في السنة العاشرة، وأما بقية الشعائر؛ شعائر الإسلام الظاهرة، فإنما كانت في المدينة، حتى تحريم المحرمات من الزنا والخمر والربا ونحو ذلك، فإنما كان في المدينة، وهذا يدلك على عظم شأن التوحيد في هذا الدين، وأن هذه الرسالة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، حيث بلغها للناس، مكث يدعو إلى التوحيد في عشر سنين، والتوحيد من حيث هو، أمر واحد، دعوة إلى التوحيد ونهي عن الشرك، أمر واحد، وتلك الأوامر التي فرضت فيما بعد، والمناهي التي نهي عنها فيما بعد، كثيرة جدا، عددها كثير مئات الأشياء من أمور الإسلام الظاهرة، وأمور المعاملات، والصلاة الاجتماعية، والنكاح، وتلك الأحوال، تلك بالمئات، فكان العهد المدني وهو عشر سنين متسعا لتلك الأمور جميعا، وأما التوحيد فمع أنه أمر واحد، وهو الدعوة إلى توحيد الله والنهي والنذارة عن الشرك، فقد مكث فيه عليه الصلاة والسلام عشر سنين، وهذا من أعظم الأدلة على أن شأن التوحيد في هذا الدين هو أعظم شيء، وأن غيره من أمور الإسلام الظاهرة، أنه يليه بكثير في الاهتمام به في هذا الشرع، فالدعوة إنما تكون في توحيد الله؛ لأن القلب إذا وحد الله جل وعلا أحب الله وأحب رسوله، أطاع الله بعد ذلك وأطاع رسوله فرضا، ترك الشرك، أبغض الشرك، ويُبغض كل ما لا يحبه الله جل وعلا ولا يرضاه، وهذا من مقتضيات التوحيد.
قال (أخذ على هذا عشر سنين) يعني مكث في المدينة عليه الصلاة والسلام عشر سنين يدعو إلى التوحيد وإلى أمور الإسلام الظاهرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ثلاثة الأصول   شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 11, 2008 3:04 pm

(وتوفي صلاة الله وسلامه عليه ودينه باق وهذا دينه)، (صلاة الله) الصلاة من الله جل وعلا على نبيه، أو على المؤمنين هي ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى، هذا هو الصحيح أن الصلاة من الله جل وعلا هي الثناء؛ لأن حقيقة الصلاة في اللغة الدعاء والثناء، وأما من قال أن الصلاة بمعنى الرحمة هذا ليس بصحيح، قال جل وعلا ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾[الأحزاب:56]، الملائكة لا يمكنهم أن يرحموه، لكن يمكن أن يثنوا عليه، أو أن يدعوا له، والله جل وعلا في حقه الثناء، فمعنى صلاة الله جل وعلا على نبيه هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، لهذا جاء في الحديث الصحيح «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا» يعني من أثنى عليّ، من قال: اللهم صلي على محمد. سأل الله جل وعلا أن يثني على نبيه في الملأ الأعلى، فإن الله جل وعلا يجزيه من جنس دعائه، وهو أنه يثني عليه بذلك عشر مرات في ملئه الأعلى، أسأل الله الكريم من فضله، وصلى الله على نبينا محمد، اللهم صلي وسلم على نبينا محمد. قال (ودينه باق)، عليه الصلاة والسلام توفي ودفن في حجرة عائشة، ودينه باق إلى قيام الساعة، لا يقبل الله جل وعلا من أحد دينا إلا هذا الدين، (وهذا دينه) الضمير يرجع إلى أي شيء؟ إلى ما سبق إيضاحه في هذه الرسالة، هذا الذي وصف لك فيما قبل هو دينه؛ معرفة العبد ربه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، ومعرفة العبد نبيه صلى الله عليه وسلم. (وهذا دينه) عليه الصلاة والسلام، (لا خير) -هذا من صفاته عليه الصلاة والسلام- أنه (لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه والخير الذي دلها عليه التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه والشر الذي حذرها منه الشرك وجميع ما يكره الله ويأباه) وعليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم، ومن رأفته بالمؤمنين ورحمته بهم أنه اجتهد أن يؤدي الأمانة كاملة، لا خير يقرب إلى الله، ويكون محبوبا إلى الله إلا بينه عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة، وأعلى ذلك التوحيد، ويتبع ذلك جميع الأمور من الفرائض والواجبات والمستحبات، ومن المناهي التي اجتنابها فرض ونحو ذلك، المسنونات، حتى قال رجل لسلمان: لقد علَّمكم رسولُكم كل شيء حتى الخراءة، قال: نعم. يعني حتى هيئة الجلوس أثناء قضاء الحاجة، فإنه علمنا عليه الصلاة والسلام كيف يكون ذلك؛ إقبال واستدبار، وما ينبغي أن يكون إذا ذهب المرء أين يذهب، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره، كان عليه الصلاة والسلام إذا ذهب المذهب أبعد، يعني لقضاء حاجته ونحو ذلك، علمنا عليه الصلاة والسلام كل شيء، من أعلى أمر وهو التوحيد؛ بيّنه بيانا شافيا مفصلا، إلى أقل الأمور، كلها بينها عليه الصلاة والسلام، فالحجة قائمة على أمته، وأنه عليه الصلاة والسلام سيكون شهيدا على هذه الأمة، وأنه بلَّغهم الرسالة، ودلهم على كل خير، يحبه الله ويرضاه، كذلك لا شر إلا حذرها منه، لا شر كان أو لا شر سيكون في هذه الأمة إلا حذرها منه، فحذر النبي عليه الصلاة والسلام أمته من الشرور التي كانت في وقته؛ من الشرك بالله بأنواعه، ومن أنواع المعاصي وأنواع الآثام، وأنواع المعاملات الباطلة، وكذلك ما سيحدث في المستقبل، فإن الله جل وعلا أطلع نبيه على ما سيكون، فحذر النبي عليه الصلاة والسلام أمته من ذلك، مثلا كما جاء في الحديث «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال: «فمن الناس إلا أولئك» أو كما جاء في غير هذه الرواية، لها ألفاظ كثيرة، فحذرها من تقليد فارس والروم، حذر النبي عليه الصلاة والسلام أمته من الفتن التي ستظهر بأنواعها، ومنها فتنة الخوارج الذين خرجوا على الصحابة وخرجوا على ولاة أمر المسلمين، حذّر من البدع بأنواعها، كما جاء في تفسير قول الله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[الأنعام:159]، وكما قال عليه الصلاة والسلام «وإن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» ونحو ذلك من أنواع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام أمته محذرا، فهو عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة رحيم رؤوف، لا خير إلا دلها عليه وأرشد، ولا شر إلا حذر منه ونهى، سواء في ذلك ما حدث في وقته، أو ما سيحدث بعد موته عليه الصلاة والسلام بقليل، أو ما سيكون إلى قيام الساعة، حتى إنه حذر أمته وشدد، حذرها وشدد التحذير في أمر المسيح الدجال، حتى إنه قال عليه الصلاة والسلام «إن خرج فيكم وأنا حي فأنا حجيجه دونكم وإن خرج عليكم بعدي» -يعني بعد وفاته عليه الصلاة والسلام- «فامرؤ حجيج نفسه» وهذا يدل على عظم ما دل النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأمة عليه.
قال رحمه الله بعد ذلك (وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس والدليل قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158]) طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض على الجن والإنس، لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث إلى الناس جميعا، قال جل وعلا (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وقال جل وعلا ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾[الأحقاف:29]، لأنهم اتبعوا هذا الرسول، بعد أن سمعوا هذا القرآن، (وكمّل الله به الدين)، الدين كمل، والدين هو ما يدين به المرء، يعني ما يكون عادة له في عبادته، عادة له في عبادته يألفه ويعتاده، لأن أصل الدين هو العادة، كما قال الشاعر:
تقول وقد برأتُ لها وظيني هذا دينه أبدا وديني( )
هذه عادته، وسمي الدين دينا لأنه يلتزمه الإنسان، وما كان من الاعتقادات، وما كان من العبادات يفعله بتكرر، حتى يصبح له عادة، نعم الدين ليس عادة، لكن أصل تسمية الدين سمي به لأنه له شبه بالعادة، حيث لزومها وكثرة فعلها وترداد صاحبها لها.
(كمل الله به الدين) إذن فليس في الدين نقصان، ليس فيه مجال للزيادة، فمن أراد التقرب إلى الله جل وعلا، فإنما يكون ذلك بالتقرب عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني أن يكون متبعا لسنته عليه الصلاة والسلام، لأن الدين كمل فلا سبيل إلا هذا السبيل، كما قال ابن القيم:
فلواحد كن واحدا في واحد أعني سبيل الحق والإيمان
والهجرة من الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته، واتباع سنته، وامتثال أمره، والانتهاء عن نهيه، والاهتداء بهديه، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ينسلخ القلب ويترك كل ما سوى الله جل وعلا، وسوى رسوله من الذين يطاعون، ويتجه بطاعته إلى الله جل وعلا ورسوله، قال (والدليل قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:03]، والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30)ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾[الزمر:30-31]) مات عليه الصلاة والسلام، الذين يدّعون أنه عليه الصلاة والسلام حي لم يمت، وأنه يحضر، روحه تحضر، وهو يحضر، وينتقل، ونحو ذلك، هؤلاء مكذبون للقرآن، كفرة بالله جل وعلا؛ لأن الله جل وعلا قال لنبيه (إِنَّكَ مَيِّتٌ) يعني ستموت (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) إنهم سيموتون، (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إنكم جميعا أنت وهم (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) وقال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾[آل عمران:144]، ومن المعلوم ما حصل من قيام أبي بكر في الناس، بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم خطيبا، قائلا فيما يروى: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ). قال عمر: كأني لم أسمع الآية إلا حين تلاها أبو بكر رضي الله عنه. لكن هو بعد موته؛ في حياة برزخية، هي أكمل أنواع الحياة البرزخية، فهو حي، حياته أكمل من حياة الشهداء، وهو قد مات، توفاه الله جل وعلا، انقطع عن هذه الدنيا، حياته أكمل من حياة الشهداء، فهو عليه الصلاة والسلام قد توفي وانقضى أجله، وهو بالرفيق الأعلى بالجنة، وعند الله جل وعلا بأعلى المقامات عليه الصلاة والسلام.
قال لما ذكر موته عليه الصلاة والسلام (والناس إذا ماتوا يبعثون) خص هنا البعث بذكر، مع أن مناسبته هي في ذكر اليوم الآخر؛ المرتبة الثانية من الأصل الثاني، اليوم الآخر معناه أنه يبعث الناس بعد الموت، هنا قال (والناس إذا ماتوا يبعثون) وذلك لسبب وهو أنه في وقت الشيخ رحمه الله تعالى كان يكثر في البادية إنكار البعث بعد الموت، قد جاء في رسائل للشيخ من العلماء, رسائل كثيرة فيها بيان أن البعث بعد الموت حق, وأن من كفر بالبعث وأنكر البعث فهو كافر بالله العظيم, ليس بمؤمن ولا مسلم, وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم, نص هنا على هذا لأجل الاهتمام بالمسألة ووضعها في هذا الموضع المناسب, لأنه ذكر وفاة النبي عليه الصلاة والسلام, وذكر قوله (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) فناسب أن يقرر البعث بعد الموت لجميع الناس, قال (والناس إذا ماتوا يبعثون والدليل قوله تعالى﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[طه:55]، وقوله تعالى
﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ نَبَاتًا(17)ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾[نوح:17-18]، وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم والدليل قوله تعالى﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾[النجم:31]) قال (ومن كذب بالبعث كفر) مثل أولئك الأعراب في البادية, الذين كانوا في وقت الشيخ رحمه الله, ويكثر إلى الآن في بوادي بعض البلاد العربية أنهم يكذبون بالبعث, يعتقدون أن التزام الدين, أنه إنما يحصل له الإنسان السعادة في دنياه, وأن روحه تكون في نعيم أو في جحيم, لكن بعث بعد الموت, يكذبون بذلك قال هنا (ومن كذب بالبعث كفر والدليل قوله تعالى﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[التغابن:07]) وجه الاستدلال أنه قال (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فوصف الذين يزعمون أنهم لن يبعثوا بأنهم من الذين كفروا.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ثلاثة الأصول   شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 11, 2008 3:04 pm

وأرسلَ اللهُ جميعَ الرُّسلِ مبشِّرينَ ومُنذرينَ، والدليلُ قولُهُ تعالى ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165]، وأولُهُمْ نوحٌ عليهِ السلامُ، وآخِرُهُم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وهو خاتِمُ النَّبيينَ والدليلُ على أنَّ أوَّلُهُم نوح قوله تعالى ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[النساء:163]، وكلُّ أمَّةٍ بعثَ اللهُ إليها رسولاً مِنْ نوحٍ إلى محمدٍ، يأمُرُهُمْ بعبادةِ اللهِ وحدَهُ، ويَنْهَاهُمْ عنْ عبادَةِ الطاغوتِ، والدّليلُ قولُهُ تعالى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36]، وافترضَ اللهُ على جميعِ العبادِ الكفرَ بالطاغوتِ والإيمانَ باللهِ، قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى: معنى الطاغوت ما تجاوزَ بِهِ العبدُ حدَّهُ مِنْ معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مطاع.
والطواغيتُ كثيرونَ ورؤوسُهُمْ خمَسةٌ: إبليسُ لعنَهُ اللهُ، ومَنْ عُبِدَ وهو راضٍ، ومَنْ دعا الناسَ إلى عبادَةِ نفسِهِ، ومَنِ ادَّعى شيئًا مِنْ عِلمِ الغيْبِ، ومَنْ حكمَ بغيِر مَا أنزلَ اللهُ، والدليلُ قولُهُ تعالى ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:256]، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، وفي الحديثِ «رأسُ الأمْرِ الإسلامُ وعمودُهُ الصَّلاةُ وذروةُ سنَامِهِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ» واللهُ أعلمُ. تمت هذه الرسالة.
قال(وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165]، وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم) من كذب برسول من الرسل فقد كذب بالرسل أجمعين, ومحمد عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين وخاتم المرسلين, كل دعوة لنبوة أو دعوة للرسالة بعده فهي ضلال, وهي كفر بالله جل وعلا, فمن ادعى في وقت الصحابة وبعدهم إلى يومنا هذا لم يزل يظهر من يدعي النبوة, والنبي عليه الصلاة والسلام خاتم المرسلين وخاتم النبيين وخاتمهم؛ خاتَمهم و خاتِمهم (والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[النساء:163]) هذا وحي خاص وحي رسالة, والمراد بالنبيين هنا المرسلين.
قال(وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت والدليل قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36])، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ) ما يأتي بعدها هو مضمون البعث، بعثهم لأي شيء؟ لما يأتي بعد (أَنْ) وهو (اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) عبادة الله سبق تفسيرها مفصلا في الأصل الأول وهو معرفة العبد ربه, هنا لمّا ذكر الطاغوت كان مناسبا لأهميته, أن يذكر معنى الطاغوت قال هنا (وافترض الله على جميع العباد -بهذا الدليل- الكفر بالطاغوت والإيمان بالله) ما معنى الطاغوت إذن؟ (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع) الطاغوت صيغة مبنية للكثرة والسَّعة, لأنها من طغى يطغى طغيانا, ومعنى ذلك التجاوز تجاوز الحد، يقال طغى الماء إذا تجاوز الحد, طغى الرجل إذا تجاوز حدّه, والطاغوت مبني من الطغيان, لكنه للكثرة مثل ملكوت, رحموت ونحو ذلك. ما هو الطاغوت؟ الطاغوت اسم لكل ما تجاوز به العبد حدّه, كل ما تجاوز به العبد حدّه؛ أي الحد الشرعي له, معلوم أن الشرع حدّ للأشياء حدودا, وبين علاقة المسلم بها, فإذا تجاوز العبد بشيء ما حده, فذلك الشيء طاغوت, قال (ما تجاوز به العبد حده من معبود) إذا عبد أحد غير الله جل وعلا فذلك الغير طاغوت هذا العابد, متى يكون طاغوتا؟ إذا كان راضيا بهذه العبادة, أما إذا كان يكرهها فإنه لا يسمى طاغوتا, لأنه يتبرأ منه والمتبرأ من الشيء ليس من أهله, كما قال جل وعلا ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98)لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا﴾[الأنبياء:98-99], فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون, قالوا سنكون وعيسى وعزير- وعدّوا آلهة- سنكون جميعا في جهنم فنعم الصحبة, أنزل الله جل وعلا بعده ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101)لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102)لَا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾[الأنبياء:101-103], فدل على أن الذي لا يرضى بعبادته فإنه ليس بمذموم, لهذا عُبدت الأنبياء والرسل, وعُبد الصالحون, وكلهم يتبرؤون, عيسى عليه السلام أُله بعد رفعه, وقال له ربه جل وعلا ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي﴾[المائدة:116-117]، (تَوَفَّيْتَنِي) يعني قبضتني؛ قبضت بدني ورفعتني عنهم, واستوفيت مدتي على الأرض؛ المدة الأولى, كنت أنت الرقيب عليهم, ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)إِنْ تُعَذِّبْهُمْ... ﴾[المائدة:117-118] إلى آخر الآيات، (معنى الطاغوت ما تجاوز العبد حده من معبود أو متبوع) من يُتبع، يُقلَّد، يهتدى بهديه (أو مطاع) إذا كان اتبع أحد فجاوز العبد بهذا المتبع حده الذي أذن به شرعا, فقد صار ذلك طاغوتا له إذا كان راضيا بذلك, وإن كان لا يرضى فهذا هو الذي إتخذه طاغوتا, وذاك ليس بطاغوت أو مطاع.
بين ذلك بقوله (والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة إبليس لعنه الله ومن عبد وهو راض ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه) إبليس لعنه الله هو رأس الطواغيت لما؟ لأنه عُبد, ولأنه متبوع، ولأنه مطاع وهو راض بذلك, أطيع أو لم يطع؟ أطيع في معصية الله وهذه مأذون بها, أو غير مأذون بها؟ ويعتبر عند من أطاعه أنه مقدم, وأن طاعته هَنِيَّة, ولهذا قال جل وعلا في سورة إبراهيم ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾[إبراهيم:22]، الاستجابة هنا في المتابعة والطاعة, وقال جل وعلا في آية سورة يس ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[يس:60]، (أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ) يعني بالطاعة كما هو تفسيرها (ومن عُبد وهو راض) هذا القيد مهم, من عبد من دون الله, ورضي بهذه العبادة فهو من الطواغيت, من رؤوس الطواغيت. (من دعا الناس إلى عبادة نفسه) هذا أعظم، الأول يُعبد وهو ساكت لم يدعُ إلى عبادة نفسه, يُطاع وتكون طاعته دينا، في غير طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله, ويرضى بذلك, هذا طاغوت, الأعظم منه أن يدعو، ذاك ساكت-الأول-يكون فُعل به ذاك وهو راض, الأعظم أن يدعو إلى نفسه, مثل ما يفعل مشايخ الطرق الصوفية, يعني بعض من مشايخ الطرق الصوفية, ورؤوس الضلال.ورؤوس الرافضة, ورؤوس الإسماعيلية, ونحو ذلك. كل هؤلاء يعظمهم أتباعهم فوق الحد الشرعي, فيتخذونهم مطاعين, فيتخذونهم متابَعين من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال (ومن ادعى شيئا من علم الغيب ومن حكم بغير ما أنزل الله) من ادعى شيئا من علم الغيب فهو من جنس الشياطين, فهو كاهن من الكهنة, أو ساحر من السحرة, أو مدعي لعلم الغيب, هذا من الطواغيت.
قال(ومن حكم بغير ما أنزل الله) الحاكم بغير ما أنزل الله فيه تفصيل:
• إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقدا أن حكمه جائز, وأن له أن يحكم, وحكمه قرين لحكم الله أو مساوٍ لحكم الله, أو أفضل من حكم الله أو نحو ذلك. فإن هذا يعد طاغوتا.
• أما إن حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه عاص في حكمه, وأن حكم الله جل وعلا أفضل, وأن حكم الله جل وعلا هو المتعين, ولكن غلبته نفسه وشهوته بأن حكم بغير ما أنزل الله ببعض المسائل، كما يحصل لبعض المفتونين من القضاة, أنهم يحكمون في مسائل بشهوتهم, كما كان يحدث في نجد من قرون قبل الدعوة, أنه كان يُرشى القاضي -يرشى بمال- فيحكم لأحد الخصمين بغير حكم الله جل وعلا, ويحكم بغير حكم الله, وهذا هو الذي جاء فيه الحديث الذي رواه أبو داوود وغيره بإسناد قوي, أنه عليه الصلاة والسلام قال«القضاة ثلاثة قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة، رجل قضى بغير الحق وهو يعلم الحق فذاك في النار» والعياذ بالله، هذا النوع يحكم لأجل مال, يحكم لأجل رِشوة بغير ما أنزل الله, هذه معصية من المعاصي, ولا شك أن معصية سمّاها الله جل وعلا كفرا, أعظم من معصية لم يسمها الله جل وعلا كفرا, كما يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في رسالته تحكيم القوانين فإذن هذا الصنف من الناس فعلهم معصية.
• هناك نوع آخر حدث في هذا الزمن، وهو تحكيم القوانين؛ أن يستبدل الشرع بقوانين وضعية، يستبدل الشرع استبدالا بقوانين، يأتي بها الحكام من عند غير الله ورسوله، يترك الدين، ويؤتى بتلك القوانين، فهذه كما يقول الشيخ رحمه الله تعالى محمد ابن إبراهيم في أول رسالته تحكيم القوانين يقول ما نصه: إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الوحي الأمين، على قلب سيد المرسلين، للحكم به بين العالمين، وللرد إليه عند تنازع المتخاصمين، معاندة ومكابرة، لقول الله جل وعلا﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء:59]. ورسالته هذه بسَط فيها القول، وهي رسالة دقيقة مهمّة في هذا الباب، إذن فصار تحكيم القوانين كفرا أكبر بالله، لأنه استبدال شريعة مكان شريعة، بدل شريعة الإسلام يأتون بشريعة فرنسا، أو شريعة أوروبا، أو شريعة إنجلترا، شريعة أمريكا، هذا استبدال، فإذا كان الحكم به غالبا صار تحكيما، يعني صار الحكم في أكثر أمور الشريعة بهذه الأحكام القانونية صار استبدالا، فمتى يكون كفرا؟ إذا كان استبدالا، ومتى يكون استبدالا؟ إذا كان تحكيم القوانين غالبا، كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه -الشيخ محمد بن إبراهيم- أيضا مقيِّدا: متى يكون الحكم بالقانون كفرا؟ قال إذا كان غالبا فاشيا. لما؟ لأنه استبدل شريعة مكان شريعة، فإذا غلب ذلك صار استبدال، وهذا قيد مهم، وهذه المسألة يكثر فيها الكلام في هذا العصر، بين كلام متعلمين وعلى سبيل تعلم، وبين كلام جهال، وقلّ من يحرر الكلام فيها على نحو ما بينه العلماء بدقة وتفصيل.
قال هنا (والدليل قوله تعالى ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:256]) قال بعد ذلك (وهذا هو معنى لا إله إلا الله) ما معنى لا إله إلا الله؟ هو قوله (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) لأن الكفر بالطاغوت هو معنى النفي بـ(لا إله) والإثبات وهو قوله (وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) هو المستفاد من قوله (إلا الله).
قال بعد ذلك (وفي الحديث«رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»والله أعلم تمت هذه الرسالة) وأسأل الله جل وعلا أن ينفعني وإياكم لما سمعنا، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يجعلنا من المتعلمين حق التعلم، العاملين بما نعلم.
نسأله اللهم أن يجعلنا من أهل التوحيد؛ الذين يُعلون رايته، وينافحون عنه، ويُدافعون عنه وعن أهله، وأسأله لي ولكم العفو والغفران من جميع الزلل والسيئات، وأستغفر الله لذنبي ولذنوب جميع المسلمين، وأسأله أن يعفو عني ما حصل مني، في هذا الشرح الموجز من غلط لسان، أو سهو جنان، أو انتقال للذهن، وقد اختصرنا في الآخر, وكان حقها أن تبسط أكثر من ذلك بكثير، لكن لأجل انتهاء هذه الدروس.
وهذا هو يوم الأربعاء الثامن من ربيع الأول لعام أربعة عشر وأربعمائة وألف [08/03/1414هـ].
اللهم اجعل بقية أعمالنا خيرًا مما سلف منها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
قام بتفريغ الأشرطة: سالم الجزائري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو دعاء
مدير
مدير
أبو دعاء


المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 03/02/2008

شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ثلاثة الأصول   شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 I_icon_minitimeالخميس فبراير 21, 2008 9:51 am

شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 Montd12hx4kl1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://douaa.yoo7.com
أبو حارثة الأثري الجزائري
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
مشرف منبر العقيدة والتوحيد
أبو حارثة الأثري الجزائري


المساهمات : 455
تاريخ التسجيل : 06/02/2008

شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح ثلاثة الأصول   شرح ثلاثة الأصول - صفحة 2 I_icon_minitimeالخميس فبراير 21, 2008 1:42 pm

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيرا على هذه المشاركة الطيبة و بارك الله فيكم و نفع بكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح ثلاثة الأصول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منابـــر أهل الحديث والأثــر :: المنبر الاسلامي :: منبر العقيدة والتوحيد-
انتقل الى: